ماذا لو تولاك الله؟ – طريق الإسلام

فإذا تولَّاك الله هداك، والهداية وحدها كم تساوي؟ كم قيمتها؟ يهديك للعمل الصالح، يُسدِّدك، يُحبِّب إليك الطاعة والإيمان، ويعينك عليها وعلى فعلها {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا}

يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَة إِلا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ».

 

أيها الأحبة، إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة وما تتضمنه من معاني جليلة وأسرار بديعة من أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد، وتقوية يقينه بالله تبارك وتعالى.

 

ومن الأسماء الحسنى التي وردت في كتاب الله: (الْوَلِيُّ) واسم الله (الْوَلِيّ) ورد في القرآن ١٤ مرة منها، قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الشورى: 9]، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: 28]، وقوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257]، وقوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 68]، وقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: 45]، وقوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]، وقوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 127].

 

وقد ورد اسم الله (الْوَلِيّ) في السنة النبوية المطهرة، ففي الصحيحين: يقول صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنَّ آلَ أَبِي- يَعْنِي فُلانًا– لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ إِنَّمَا وَلِيِّي اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ».

 

ومعنى اسم الله: (الوليّ)؛ أي: نصير المؤمنين وظهيرهم، وهو يتولَّاهم بعونه وتوفيقه.

 

قال الخطابي: الولي: هو الناصر، ينصر عباده المؤمنين، وهو أيضًا المتولي للأمر، والقائم به، وقال الزجاجي: فالله عز وجل وليُّ المؤمنين؛ أي: ناصرهم ومصلح شؤونهم والمثني عليهم.

 

ومن معاني اسم الله (الولي): أنه هو المُتَوَلِّي لأُمور العالم والخلائق جميعًا، والقائمُ بها، والذي ينصر أولياءه ويليهم بإحسانه وفضله، وولاية الله لعباده تعني قربه منهم، فهو أقرب إليهم من حبل الوريد.

 

ففي صحيح البخاري لما كان يوم أُحُد أشرف أبو سفيان على المسلمين، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَنْ يُجِيبُوهُ ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلاءِ فَقَدْ قُتِلُوا. فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِي لَكَ مَا يَسُوؤُكَ. قَالَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ: أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ. قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-:  «أَلا تُجِيبُوا لَهُ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ:  «قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ»، قَالَ: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلا عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-:  «أَلا تُجِيبُوا لَهُ»، قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ:  «قُولُوا: اللَّهُ مَوْلانَا وَلا مَوْلَى لَكُمْ».

 

وفي سنن الترمذي بسند حسن: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عَنْهُمَا: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ  «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ».

 

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ أَلْصَقَ صِفَةٍ بالعبدِ هي الضَّعْفُ، قَال تَعالَى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28].

 

والعبدُ في جميعِ أحوالِهِ يَحتاجُ إلى الوليِّ الذي يَرْعَاهُ، ويُدَبِّرُ شؤونَهُ، ويقضي مصالِحَهُ، ويُقَوِّيهِ عندَ النَّوَازِلِ، ويُثَبِّتهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ، ومتَى كانَ العبدُ فِي ولايةِ اللهِ -عزّ وجلّ-، كانَ في حِصْنٍ منيع، وَرُكْنٍ شديدٍ، فَلَا يَخْلُصُ إليه شرٌّ، ولا يَدْنُو منهُ خَوْفٌ أوْ أَذى، فيجب أن يسعى المسلم جاهدًا إلى أن يتولَّاه الله إلى أن يكون الله وليَّه في كل شؤونه؛ في كل حياته، وفي كل أموره، وإذا تولى الله العبد فلا تسأل عن سعادته وفلاحه وفوزه وتوفيقه وتسديده.

 

فإذا تولَّاك الله هداك، والهداية وحدها كم تساوي؟ كم قيمتها؟ يهديك للعمل الصالح، يُسدِّدك، يُحبِّب إليك الطاعة والإيمان، ويعينك عليها وعلى فعلها {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: 17].

 

ويهديك للحق، ويخرجك من ظلمات الكفر والجحود والنفاق إلى نور الإيمان {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257].

 

وإذا تولاك الله دافع عنك ضد الحاقدين والحاسدين والماكرين، فالوليُّ: هو القائمُ بأمورِ العَوَالِم والخلائِق جَمْيعًا، يُدَبِّرُ أَمْرَهُمْ، ويُقَدِّرُ أَرْزَاقَهُمْ، وهُوَ النَّاصِرُ لأوليائِهِ، والمُعِينُ والظُّهِيرُ لعبادِهِ، يُصلِحُ شؤونهم، ويُقيلُ عَثَرَاتِهِم، ويَغْفِرُ زَلَّاتِهِم، فهُو الدَّافِعُ والكافي لهُم، قَالَ تَعَالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 38]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: 45].

 

«ومَن عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب»؛ (البخاري).

 

• وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنَّ على رقبته، أو لأعفرنَّ وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، زعم ليطأ على رقبته. قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبه، ويتقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار، وهولًا وأجنحة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا».

 

• وهذا عاصم بن ثابت، أرسله النبي ليعلمهم، فغدروا به وأرادوا أن يقتلوه، فقال:  «اللهم إني أقسم عليك ألَّا يمسني كافر»، فرموه بالسهام فقتل، فذهبوا ليأخذوا جسمانه من أجل أن يبيعوه لأهل مكة ويأخذوا ثمنه، فأرسل الله الدبابير تغطي جسمانه، كلما اقتربوا لدغتهم، فقالوا: إذن ننصرف إلى الليل فتنصرف الدبابير ثم نأخذه ونبيعه، فما إن جاء الليل حتى أرسل الله سيلًا من الماء فأخذ الجثة واختفت، فقالوا: «أقسم على الله فأبَرَّ له الله بقسمه».

 

• وهذا أبو مسلم الخولاني: وهذه القصة تلقتها الأمة بالقبول كما في البداية والنهاية وتاريخ دمشق والاستيعاب في معرفة الأصحاب وفي صفة الصفوة، وكذلك في صحيح ابن حبان، فلما ادَّعى الأسود العنسي النبوَّة باليمن والتفَّ حوله جمعٌ كبيرٌ من الناس، وذبح من المسلمين من ذبح، وأُحرِق منهم مَن أُحرِق، وطُرِد منهم مَنْ طُرِد، وفرَّ الناس بدينهم، كما عذب من الدعاة من عذب، وكان من هؤلاء أبو مسلم الخولاني رحمه الله، فقال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع، فأعاد إليه، قال: ما أسمع، فحاول أن يثنيه عن دينه! فقال: كلا والذي فطرني، لن أرجع عنه، فاقضِ ما أنت قاضٍ، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فما كان منه حينئذٍ إلا أن جمع الناس وقال لهم: إن كان داعيتكم على حق فسيُنجيه الحق، وإن كان على غير ذلك فسترون.

 

فأمر بنار عظيمة فأُضرِمت ثم جاء بأبي مسلم الخولاني رحمه الله فربط يديه ورجليه ووضعوه في مقلاع ثم رموه في ألسنة النار ولظاها وأبو مسلم بين السماء والأرض لم يذكر إلا الله جل وعلا وكان يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل فسقط في وسط النار، وانتظر الناس والنار تخبو شيئًا فشيئًا وإذا بأبي مسلم قد فكَّتِ النارُ وثاقه، وثيابه لم تحترق، رجلاه حافيتان يمشي بهما على الجمر ويبتسم..ذهل الطاغية، فخاف أن يسلم من بقي من الناس؛ فقام يهددهم ويتوعَّدهم، فقيل له: لئن تركت هذا في بلادك أفسدها عليك، فأمره بالرحيل، فقدم المدينة وقد قبض رسول الله واستخلف أبو بكر، فقام إلى سارية من سواري المسجد يصلي، فبصر به عمر، فقال: من أين الرجل؟ قال: من اليمن، قال: ما فعل الله بصاحبنا الذي حرق بالنار فلم تضره؟ قال: ذاك عبدالله بن ثوب، قال: نشدتك بالله، أنت هو؟! قال: اللهم نعم، قال: فقَبَّل ما بين عينيه ثم جاء به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر الصديق وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الرحمن عليه السلام.

 

وإذا تولَّاك الله وفقك وسددك واستجاب دعاءك وأعطاك سؤلك  «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه»؛ (البخاري).

 

فإنه جل وعلا الذي نصر نوحًا بعد أن تجَمَّع عليه قومه، ولم يبقَ معه إلا القليل من المستضعفين، فسخروا منه، واستهزءوا به، كان معه ضعفاء القوم وأراذلهم، ولكنهم في الإيمان قمم وجبال: {قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود: 38]، فرفع نوح يديه إلى الله عز وجل قال تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر: 10]، فإذا بسنن الكون تتغير، وإذا بالسماء التي لم تكن تمطر ينهمر منها الماء، وإذا الأرض القاحلة، والصحراء التي ليس فيها ماء تتفجر بالعيون: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر: 10 – 12].

 

وفي حلية الأولياء لأبي نعيم حديث موقوف عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجَمَلِ جَعَلَ الزُّبَيْرُ يُوصِي بِدَيْنِهِ، وَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ، إِنْ عَجَزْتَ عَنْ شَيْءٍ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِمَوْلايَ، قَالَ: فَوَ اللَّهِ، مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَتِ، مَنْ مَوْلاكَ؟ قَالَ: اللَّهُ، قَالَ: فَوَ اللَّهِ، مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ، إِلا قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ، اقْضِ دِينَهُ فَيَقْضِيه.

 

• وهذه الربيع بنت النضر، أخوها أنس بن النضر كان مستجاب الدعوة، فالربيع ضربت جاريتها فكسرت سنة من أسنانها، فذهبوا للجارية وطلبوا منها أن تأخذ الدية أو أن تعفو عنها ولكنها رفضت، فالحكم هو أن السن بالسن، تقطع سن الربيع، فقال أنس: يا رسول الله، أتكسر سنة الربيع بنت النضر؟ اللهم إني أقسم عليك ألَّا تكسر سنة الربيع بنت النضر، فإذا بالجارية قادمة هي وأهلها يقولون: قد عفونا.

 

• وهذا جريج العابد: وكان من عُبَّاد بني إسرائيل؛ تذاكر شبابٌ فاسدون عبادة جريج، وكان معهم امرأة بغيٌّ وضيئة، قالت: إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ، قَالَ: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ، فَوَلَدَتْ مِنْكَ، فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ، فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ، وَقَالَ: يَا غُلَامُ، مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ الرَّاعِي، قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا؛ (رواه مسلم).

 

فماذا سيعطيك الله إذا تولَّى أمرك؟ يقول الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]، ليس هناك خوف في الدنيا ولا حزن في الآخرة.

 

– ينور لك حياتك {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257]، وينور قبرك، وينور لك يوم القيامة والصراط.

 

– وكذلك أنت منصور إذا تولَّى الله أمرك، وينتقم ممن أذاك، يقول الله تبارك وتعالى: {بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} [آل عمران: 150]، {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56].

 

وإذا تولاك الله كذلك رفع عنك الخوف والحزن، يؤَمِّنُكَ الله أمانًا لا تخاف بعده على نفسك وأهلك ومالك، واسمعوا هذا النداء من الله: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]، من هم؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس: 63، 64].

 

حتى عند الموت تأتي إليهم الملائكة؛ ملائكة الرحمة وتقول لهم: لا تخافوا مما أمامكم ولا تحزنوا على ما خلفتم، وتبشرهم بالجنة، كل هذا في أضيق الساعات وأشد اللحظات وأخطر الأوقات {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت: 30، 31].

 

وفي القبر قال صلى الله عليه وسلم عن المؤمن:  «ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد»؛ (أحمد).

 

إذا تولاك الله رحمك يوم القيامة حيث لا راحم إلا الله، ولا منقذ إلا الله، قال صلى الله عليه وسلم:  «لله عز وجل مائة رحمة، وإنه قسم رحمة واحدة بين أهل الأرض فوسعتهم إلى آجالهم، وذخر تسعة وتسعين رحمة لأوليائه، والله عز وجل قابض تلك الرحمة التي قسمها بين أهل الأرض إلى التسع والتسعين فيكملها مائة رحمة لأوليائه يوم القيامة»؛ (أحمد).

 

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- واعلمُوا أنَّ مِنْ أسبابِ ولايةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- لعبادِهِ مَا يلي:

أولًا: تقوى اللهِ -عزَّ وجلَّ-، والإيمان به، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62].

 

ثانيًا: التقرُّبُ إلى الله بالحفاظِ على الفرائِضِ، والإكثارِ من النَّوَافِلِ، جاء في الحديث القدسيِّ:  «مَنْ عادى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، ولا يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ»؛ (أخرجه البخاري).

 

ثالثًا: الدُّعَاءُ، فقد كانَ مِنْ دعاءِ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-:  «وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ»؛ (أخرجه أبو داود).

____________________________________
الكاتب: الشيخ محمد عبدالتواب سويدان


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

ربيع قلبي – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة القرآن العظيم رحمة للعالمين، وهدى للمتقين، وشفاء للقلوب وهو حبل الله المتين، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *