زيف الانشغال – طريق الإسلام

إننا حين نخاف من العمل الحقيقي؛ نلوذ بما يُشبهه، ونُشغل أنفسنا بـ”أعمال جانبية” تمنحنا جرعة مؤقتة من الإنجاز، لكننا نعلم يقينًا في قرارة أنفسنا: هذا ليس هو الطريق..”

تأمل في وجوه كثيرة تمرّ بك كل يوم، وانظر إلى ملامحهم المكدّسة بتعبٍ لا تعلم مصدره، إلى نبراتهم التي تشي بأنهم “مشغولون جدًا”، إلى ألسنتهم التي تردد كمن يُلقّن: “والله ما لحقت”، “مضغوط جدًا”، “ما قدرت أكمل”..

ثم قف لحظةً واسأل: هل هذا الانشغال كلّه في ما يستحق؟ أم هو “تهرّب شرعي” من مواجهة الواجب الحقيقي؟ والإنسان في هذا الزمان قد اخترع “درعًا” يحميه من تبكيت الضمير اسمه: (الانشغال).

فالطالب الذي يؤجل بناء ملكته العلمية، ويغرق في مراجعاتٍ عشوائية ومتابعة بثوثٍ متفرقة، يردد في داخله: “أنا مشغول”، بينما هو في الحقيقة يهرب من الخطوة الأصعب: الانضباط.

والداعية الذي يتنقل بين الفعاليات واللقاءات، ويشعر بالرضا كلما تكرّر اسمه في اللافتات، يردّد لنفسه: “ليس لدي وقت للكتابة”، لكنه لم يصرّح لنفسه بأن الكتابة تحتاج عُزلةً، ومكابدةً، وتجريدًا عن الضجيج، وهو لم يُرد أن يدفع هذا الثمن.

إننا حين نخاف من العمل الحقيقي؛ نلوذ بما يُشبهه، ونُشغل أنفسنا بـ”أعمال جانبية” تمنحنا جرعة مؤقتة من الإنجاز، لكننا نعلم يقينًا في قرارة أنفسنا: هذا ليس هو الطريق، أليس عجيبًا أن ترى أحدهم يمضي يومه بين ملفات ومواعيد، وحين يُسأل: أين مشروعك الأساسي؟ يخفت صوته، وتتوارى الإجابة خلف “أعذار مزخرفة”؟

لقد صار “زيف الانشغال” هو الواجهة الاجتماعية الجديدة للمتحايل على الوقت، لا يريد أن يُتهم بالكسل، لكنه لا يريد أن يدفع ثمن التقدم الحقيقي، وما أكثر ما تغدو “الانشغالات” ذريعة لدفن الأسئلة المؤلمة التي تطرق على أبواب العقل: أين أنا من إصلاح نفسي؟ ما موقعي من قضايا أمتي؟

وهكذا، يبيت العبد وقد ظن أنه مجتهد، فإذا وزن يومه في ميزان الآخرة، لم يجد ما يرجى، فإن العمل الحقيقي ليس ما يتراكم في رزنامات الهاتف، بل ما يتراكم في صحيفة العمل الصالح، وفي عمق الأثر، وفي تجريد القلب لله.

وشتّان بين مشغولٍ بالله، ومشغولٍ عن الله.

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

التّكبيرُ والتهليلُ والتحميد – طريق الإسلام

“والأفضلُ في أيّام عشر ذي الحِجّة ‏الإكثارُ من التعبُّد، لا سيَّما ‏التّكبيرُ والتهليلُ والتحميد، ‏فهو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *