قبل الحديث عن فضل من وقف بعرفة حاجًّا، لنا وقفة مع فضل هذا اليوم.
بداية وقبل الحديث عن فضل من وقف بعرفة حاجًّا، لنا وقفة مع فضل هذا اليوم.
1- يوم عرفة أقسم الله به، وكفي بهذا الشرف:
قال تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 1-3].
قال أبو هريرة رضي الله عنه: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ}: يوم القيامة، واليوم المشهود: يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة؛ (أخرجه ابن جرير والحاكم والبيهقي بسند صحيح، وقد رُوي مرفوعًا ولا يصح).
2- يوم عرفة، هو اليوم الذي أخرج الله من ظهر آدم ذريته، وأخذ عليهم الميثاق:
فقد أخرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بـ (نعمان) يوم عرفة، وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذَّرِّ، ثم كلمهم قبلًا قال: ألستُ بربكم؟ قالوا بلى»؛ (الصحيحة: 1623) (صحيح الجامع: 1701).
3- يوم عرفة أكمل الله لنا فيه الدين:
فقد نزل في يوم عرفة قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3].
وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، فقال: أي آية؟ قال قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.
4- يوم عرفة هو أثقل وأشد الأيام على الشيطان:
فقد أخرج الإمام مالك في الموطأ عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما رُؤي الشيطان يومًا هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذلك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب».
5- صيام يوم عرفة (لغير الحاج) يكفر الله به سنتين: سنة قبله، وسنة بعده:
♦ فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن «صوم يوم عرفة فقال: يكفر السنة الماضية والباقية» – وفي رواية -: «صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله».
6- الله تعالى يباهي بأهل عرفات الملائكة:
♦ فقد أخرج الإمام أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي هؤلاء جاءوني شُعْثًا[1]غُبْرًا»؛ (صحيح الترغيب والترهيب: 1132) (صحيح الجامع: 1867).
♦ وأخرج الإمام أحمد والطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإن الله عز وجل يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثًا غبرًا؛ (صحيح الترغيب والترهيب: 1153)، (صحيح الجامع: 1868).
♦ وأخرج ابن حبان والطبراني في الكبير عن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإذا وقفت بعرفة، فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا، فيقول: انظروا إلى عبادي شعثًا غبرًا، اشهدوا إني قد غفرت لهم ذنوبهم، وإن كانت عدد قطر السماء، ورمل عالج»؛ (صحيح الترغيب والترهيب: 1131).
♦ وأخرج الإمام مسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهى بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء» ، وأخرج الطبراني والبزار واللفظ له من حديث ابن عمر- رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من ثقيف في حديث طويل وفيه: «……. وأما وقوفك عشية عرفة، فإن الله يهبط إلى السماء الدنيا، فيباهي بكم الملائكة يقول: عبادي جاؤوني شعثًا من كل فج عميق، يرجون جنتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، أو كقطر المطر، أو كزبد البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفورًا لكم، ولمن شفعتم له…..»؛ الحديث، (صحيح الترغيب والترهيب: 1112).
قال المناوي – رحمه الله – في فيض القدير، 2/276 – 277:
قال في المطامح: وذا يقتضي الغفران وعموم التكفير؛ لأنه لا يباهي بالحاج إلا وقد تطهر من كل ذنب، إذ لا تُباهي الملائكة وهم مطهرون إلا بمطِّهرٍ، فينتج أن الحج يكفّر حق الحق، وحق الخلق، حتى الكبائر والتبعات ولا حجر على الله في فضله، ولا حق بالحقيقة لغيره، وفيه أفضلية عرفة حتى على النحر، وهو ما عليه الأكثر، وإنما سُمِّي الموقف عرفة أنه نعت لإبراهيم – عليه السلام – فلما أبصره عرفه، أو لأن جبريل كان يدور في المشاعر، فلما رآه قال: قد عرفت، أو لأن الناس يتعارفون فيه؛ اهــ.
♦ وأخرج ابن ماجه من حديث بلال بن رباح رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له غداة جَمع: «يا بلال أسْكِت الناس –أو أنْصِت الناس» – ثم قال: «إن الله تطاولَ عليكم[2] في جمعِكم هذا، فوهبَ مسيئكم لمحسِنِكم، وأعطى محسِنَكم ما سأل، ادفعوا بسم الله»؛ (الصحيحة: 1624) (صحيح الجامع: 1734).
7- وأفضل الدعاء دعاء الحجاج يوم عرفة:
♦ فقد أخرج الطبراني من حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل ما قلت أنا والنبيون عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»؛ (الصحيحة: 1503).
وأخرج الإمام مالك والبيهقي في الشعب: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أفضل الدعاء: دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له»؛ (الصحيحة: 1503) (صحيح الجامع: 1102).
فطوبى لعبد وفِّق للدعاء في يوم الدعاء.
♦ ولله در ابن القيم – رحمه الله – حين يصور ذلك الموقف:
وراحوا إلى التعريف يرجون رحمةً ** ومغفرةً ممن يجودُ ويُكــــــــــــرمُ
فلله ذاك الموقفُ الأعظم الـــــــذي ** كموقف يوم العرض بل ذاك أعظمُ
ويدنو به الجبارُ جلَّ جلالــــــــــــه ** يباهي بهم أملاكَه فهو أكــــــــــرمُ
[1] الشعث: بكثر العين: هو البعيد العهد بتسريح شعره وغسله.
[2] تطوّل عليكم: من طاول: مفاعلة من الطَّوْل بالفتح، وهو الفضل والعلو؛ النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، والمعنى أن تفضل عليكم من واسع كرمه.
_________________________________________________
الكاتب: الشيخ ندا أبو أحمد
Source link