فلسطين في الكتابات التاريخية والجغرافية

ثمة ضـرورة تفرض علـى المتخصصين البحـث فـي الكتابات التاريخيـة والجغرافيـة حـول فلسطين، خاصة مع محاولات الكيان الصهيوني المستمرة لتزييف حقائق الجغرافيا والتاريخ في فلسطين المحتلة..

فلسطين في الكتابات التاريخية والجغرافية

ثمة ضـرورة تفرض علـى المتخصصين البحـث فـي الكتابات التاريخيـة والجغرافيـة حـول فلسطين، خاصة مع محاولات الكيان الصهيوني المستمرة لتزييف حقائق الجغرافيا والتاريخ في فلسطين المحتلة. وسنحاول الإضاءة على بعض كتابات المؤرخين المسلمين؛ حيث كان معظمهم جغرافيين، وغالبية مؤلفاتهم يمكن تصنيفها فيما يعرف بالجغرافية التاريخية، ومع أن معظم هؤلاء ولد وعاش في العراق أو فارس أو الأندلس، وقلَّ منهم مَن ولد وأقام في فلسطين، بَيْدَ أن نصيباً وافراً وغزيراً مما ألَّفوه مـن كتب أو قاموا به من رحلات كان حول الأرض المقدسة. ولعـل مـن أقـدم مَن زار فلسـطين وكتب عنهـا المؤرخ الجغرافي ابن خُرداذْبَة (205 – 280هـ)، وهو مؤلف كتاب (المسالك والممالك)، وقد كان جُّل اهتمامه بالطرق والجباية والمسافات، فذكر المسافة بين كل بلدة وأخرى، مبتدئاً ببيت المقدس حتى وصل إلى الفسطاط في مصر، ووصف كُوَر طبرية، وبَيسان، وصفورية وعكا، والرملة واللد ونابلس وقيسارية وغزة من المدن والقرى في فلسطين، حيث قام بتحديد المسافات بينها.

وفي الربع الأخير من القرن التاسع الميلادي المـوافق للقرن الثالث الهجـري، ألَّـف المـؤرخ الجغرافي أحمد بن إسحاق اليعقوبي (231 – 318 هـ) كتاب (البلدان) بعد أن ساح في الأقطار الإسلامية شرقها وغربها، وكان جُلَّ اهتمامه في الجانب الإحصائي الطوبوغرافي والسكاني، على عكس الجغرافيين والمؤرخين الذين سبقوه الذين تركز اهتمامهم في العجائب والأساطير. فذكر اليعقوبي في كتابه المذكور منطقة الغور ومدينة أريحا (كما يلفظها أهل منطقة القدس) وأهلها قوم من قيس وفيها جماعة من قريش، ويسهب في ذكر مدينة بيت لحم وعلاقة السيد المسيح – عليه السلام – بها، فضلاً عن ذكره لمدينة طبرية وحمَّاماتها المعدنية واللد والرملة ونابلس وبها أخلاط من العرب والعجم، وهكذا حتى يصلَ إلى جنوب فلسطين في رفح وحدود العريش.

وذهب المـؤرخ الجغـرافي أحمـد بن يحيى البلاذري (279هـ) إلى أبعـد مـن ذلك، حين أرَّخ فـي كتابه (فتوح البلدان) للأخبار المحلية في فلسطين سواء العسكرية أو السكانية وعن تطور الأبنية الشهيرة. وفي القرن الرابع الهجري، الموافق للعاشر الميلادي سطع اسم المؤرخ الرحالة البحاثة علي بن الحسين المسعودي (346هـ)، وكان من أهم كتبه (التنبيه والإشراف)، حيث ظهرت فيه عمليات البحث الموسعة في مناطق كثيرة في العالم الإسلامي وخصوصاً فلسطين، ثم جاء معاصره الجغرافي الرحالة أبو إسحاق الاصطخري (346هـ) مؤلف كتاب (صور الأقاليم) وقد أولع بالأسفار، وقد أتى علـى ذكر كثيـر من مناطـق فلسـطين ومدنها، وقام بوصف أشـجارها والفـواكه هنـاك، كمـا وصـف الغـور ونخيله وعيونه ومناخه، فضلاً عن ذكره لمدينة طبرية وعيونها الحارة التي تفيد في الشفاء من كثير من الأمراض المستعصية.

ومن المؤرخين الذين طافوا في فلسطين وذكروها في كتبهم المؤرخ الرحالة محمد بن حوقل (367هـ)، وتشير المصادر التاريخية إلى أنه طاف في البلاد الإسلامية لمدة ثمان وعشرين سنة. ومن أشهر الجغرافيين الذين طافوا البلاد الإسلامية في القرن الرابع الهجري الموافق للعاشر الميلادي، الجغرافي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي أبكر البناء البشاري المعروف بالمقدسي لأنه ولد في القدس (336 – 380هـ)، وهو القائل عن نفسه: «سُميت بستة وثلاثين اسماً دعيت وخوطبت بها؛ مثل مقدسي وخرساني ومصري ومغربي وفلسطيني… إلخ، وذلك لكثرة البلاد التي حللتها»، وكتابه الشهير هو (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) وهو من أهم الكتب التي تصف الدول الإسلامية، ولم يفته ذكر مذاهب السكان في فلسطين وتجارتهم، فضلاً عن ذكره لأهمية الصناعة والأعياد في كل بقعة من زواياها، وقام بتقسيم تضاريس فلسطين الطبيعية إلى أربعة صنوف، وعندما تحدث عن المدن والقرى في فلسطين، أشار إلى كل مَعْلَم تاريخي وجغرافي.

وفي القرن السادس الهجري الموافق للقرن الحادي عشر الميلادي، ظهر المؤرخ والرحالة الفارسي ناصر خسرو (394 – 481هـ)، وضمَّن في كتابه (سفر نامة) أخباراً عن اجتيازه للمدن الفلسطينية في طريقه لأداء فريضة الحج في مكة المكرمة، وقام بوصف عكا وطبرية ومدينة حيفا في الساحل الفلسطيني، وضمَّن الكتاب أيضاً وصفاً للحرم القدسي الشريف، حيث تطرَّق إلى معلومات دقيقة تعتبر حتى أيامنا هذه من أدق المعلومات حول الحرم القدسي الشريف للباحثين في التاريخ والجغرافية، وألقى الضوء أثناء سفره على الكثير من الشؤون الاجتماعية والاقتصادية لفلسطين قبل غارة الصليبيين عليها.

وتميز القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي بالكتابة عن جغرافية فلسطين أكثر من غيرها، ومردُّ ذلك إلى استيلاء الصليبيين على بيت المقدس وقسم كبير من هذه البلاد المقدسة، ومن أبرز الكتَّاب الذين كتبوا عن فلسطين في تلك الفترة الرحالة الأندلسي ابن جبير (540 – 614هـ) حيث زار مدينة عكا الساحلية، كما زار بيت المقدس بعد فتحه من قِبَل صلاح الدين الأيوبي، وقد عُني الرحالة المذكور بالنواحي الاجتماعية والاقتصادية، وقد أفاد عدداً كبيراً من الجغرافيين من بعده. ومن الرحالة والجغرافيين الذين كتبوا عن فلسطين وقلبها مدينة القدس المؤرخ علي بن أبي بكر الهروي في القرن السادس الهجري (611هـ) ومن أهم كتبه التي تضمنت شرحاً ووصفاً لطبيعة فلسطين وجغرافيتهـا كتـاب (الإشارات إلى معرفة الزيارات)، وقد أفاد من كتاب الهروي كثير من الرحالة والمؤلفين، منهم ابن العديم (588 – 660هـ) والمؤرخ ابن شداد (613 – 684هـ)، وأشارت الدراسات المختلفة إلى أن ياقوت الحموي (574 – 626هـ) قد استفاد إلى حد كبير من كتب الهروي، وكان الحموي زار فلسطين مرتين وقال في تعريفها: إنها آخر كُوَر الشام من ناحية مصر، قصبتها بيت المقدس، ومن أشهر مدنها عسقلان والرملة وغزة وقيسارية ونابلس وأريحا، وقد بيَّن النطق الصحيح لكل معلم جغرافي في المناطق المذكورة.

استمرت الرحلات إلى فلسطين؛ ففي القرن الثامن كان ابن بطوطة (703 – 779هـ) الملقب بأمير الرحالين قد زار فلسطين وأقام فيها في طريقه إلى الحج مرات عدة، وفي كتابه (تحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) وصفٌ دقيق لجغرافية فلسطين. ومن جغرافيي القرن الثامن الهجـري أيضاً برهـان الدين بن فركاح، وقد خصَّ فلسطين في اثنين من كتبه بقدر كبير ووافٍ في مجالي الجغرافية التـاريخية والآثار المختلفة، وبرز في القرن التاسع الهجري اسم أبي البقاء يحيى بن شاكر بن الجيعان (814 – 885هـ)، حيث ألَّف كتاب (تاريخ قايتباي) شرح من خلاله رحلة الملك الأشـرف قايتبـاي (815 – 901هـ) إلـى سـورية سنة (882 هـ) على شكل يوميات، وقد تضمنت بعض المعلومات الجغرافية عن المدن الفلسطينية التي زارها كغزة والناصرة وصفد في الجليل الفلسطيني. توالت الرحلات والكتابات من جانب الجغرافيين والمؤرخين المسلمين خلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين، فكان كتاب (الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل) للمؤرخ الباحث مجير الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العليمي الحنبلي المقدسي (860 – 928هـ) من أهم الكتب التي وصفت القدس والخليل والحروب التي دارت هناك، وتمت عملية تسجيل لوقائع مختلفة في تلك المناطق، في مقابل ذلك اقتصرت الكتابات الجغرافية في القرن الحادي عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي على الأماكن المقدسة في فلسطين، ومن أشهر الكتابات الجغرافية في تلك الفترة، ما كتبه الشيخ مصطفى أسعد أحمد الدمياطي اللقيمي مؤلف كتاب (سائح الأنس برحلتي لوادي القدس) سنة (1143هـ)، وكذلك ما كتبه عبـد الغني بن إسماعيل النابلـسي (1050 – 1143هـ) في كتابه (الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية) الذي استفاض فيه في شرح ما شاهده في مدن فلسطين: عكا والناصرة ونابلس والقدس والرملة ويافا وعسقلان وغزة وخان يونس، وذلك أثناء رحلته إلى فلسطين سنة (1101هـ).

مما تقدم يظهر أن موقع فلسطين الجغرافي المهم، وكثرة المقدسات فيها، والنشاطات المختلفة لأهلها من صناعة وزراعة وبناء، جعلها حاضرة في أهم كتابات الرحالة المسلمين خلال القرون الماضية، الأمر الذي يتطلب من مراكز البحث الفلسطينية والعربية والإسلامية على حد سواء إعادة البحث في مزيد من الكتابات التاريخية والجغرافية حول فلسطين وترجمتها إلى لغات عدة ونشرها لدحض الأفكار الصهيونية التي تحاول تزييف تاريخ فلسطين العربي الإسلامي.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *