مذبحة سربرنيتشا أماطت اللثام على الوجه المصطنع الذي تروج له الأمم المتحدة بين الشعوب ببعض الكلمات المارقة و بيانات استنكارية براقة تدين وتستنكر إذا غابت الحجج والأدلة وإذا ظهرت الحجج مارست سياسة التعتيم من أجل تزييف الحقائق.
ما كاد القرن العشرون يترك مكانه للقرن الحالي حتى استيقظت البشرية على أكبر مجزرة عرفتها الأراضي الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية المجزرة التي خلفت حوالي 8 آلاف ضحية من مسلمي البوشناق في البوسنة.
خلفيات المذبحة
كانت البوسنة والهرسك جزء من جمهورية يوغوسلافيا التي كانت تضم سبع دول في دولة واحدة (كرواتيا- صربيا- البوسنة و الهرسك – سلوفينيا – الجبل الأسود – مقدونيا – كوسوفو) تحت حكم شيوعي وكانت تعد من أقوى الدول الأوروبية. في مطلع التسعينات من القرن الماضي اجتاح البلاد الفكر القومي ومعه تشكلت الحركات القومية وبدأت الأصوات المطالبة بالتفكك والانفصال عن جمهورية يوغوسلافيا وكان من مقدمة الدولة التي انفصلت عن يوغوسلافيا هي سلوفينيا سنة 1991 فاسحة بذلك المجال لباقي الدول التي كانت تطالب بنيل استقلالها.
وكانت من بين هذه الدول كرواتيا ومقدونيا وكانت البوسنة قد طرحت استفتاء للانفصال عن يوغسلافيا استفتاءٌ قاطعه سياسيين صرب من البوسنة وبالفعل في 29 من فبراير لسنة 1992 أجري استفتاء للاستقلال وقد كانت نتيجته أغلبية ساحقة أيدت الانفصال عن يوغوسلافيا وتم الاعتراف بجمهورية البوسنة والهرسك دولة مستقلة وفي ظل تزايد الاعتراف الدولي بجمهورية البوسنة والهرسك تحركت قوات صرب البوسنة، المدعومة من الحكومة الصربية بقيادة سلوبودان ميلوسيفيتش وميليشيا الجيش الشعبي اليوغسلافي التي كانت بمثابة يد الصرب الضاربة في البوسنة معلنين الحرب على مسلمي البوسنة لتبدأ معها حكاية التطهير العرقي وإلإبادات الجماعية وسفك الدماء بدم بارد واغتصاب النساء وتهجير المدنيين والعديد من المذابح أشهرها مذبحة سربرنيتشا.
ما قصة مذبحة سربرنيتشا؟
تقع مدينة سربرنيتشا شرق جمهورية البوسنة والهرسك وفي ظل ملاحقة مسلمي البوسنة الذين كان يشكلون عائق أمام صرب من أجل إعادة تشكيل ما تبقى من الاتحاد اليوغوسلافي كانت سربرنيتشا تشكل أحد أهم المناطق التي يتواجد بها مسلمي البوسنة وكانت مدينة سربرنيتشا من المناطق المستهدفة من قبل الصرب وخاصة بعد التغلغل الصربي في شرق البوسنة والهرسك سنة 1992.
أعلنت الأمم المتحدة في أبريل سنة 1993 أن سربرنيتشا منطقة آمنة تحت حمايتها وكان يمثل الأمم المتحدة عناصرٌ للقوات الهولندية التي كان عددها حوالي 400 عنصر وفي مقابل ذلك فرضت الأمم المتحدة على المقاتلين البوسنيين الذين كانوا يحمون المدينة من المد الصربي نزع السلاح وتسليمه وفي الحقيقة هذه الخطوة لم تكن إلى حيلة من الأمم المتحدة والقوات الهولندية من أجل تأمين المدينة وتهيئها للقوات الصربية لشن حملتها التطهيرية على مسلمي البوسنة.
في مارس 1995 طوق صرب البوسنة المدينة تحت تعليمات رادوفان كراديتش زعيم صرب البوسنة وثم حصار المدينة وتجويعها لضغط على المقاتلين البوسنيين للخروج من المدينة وعلى إثر ذلك نشبت اشتباكات بين قوات الصرب والبوسنيين وكل هذا كان أمام مرأى ومسمع قوات الأمم المتحدة الممثلة بالكتيبة الهولندية التي كان من المفروض أن تحمي البوسنيين أو على الأقل أن تكون قوات حفظ السلام كما تسمي وجودها في تلك المنطقة. وفي يوليو 1995 نجحت قوات صرب البوسنة بالدخول لسربرنيتشا والاستيلاء عليها.
في تلك الأثناء حذرت القيادة البوسنية في سراييفو الأمم المتحدة في 8 من يوليو من أن عمليات تطهير عرقي تجاه المسلمين في المدينة قد تقع، عقد اجتماع ترأسه (السفاح) راتكو ملاديتش مع بعض جنرالات صرب البوسنة لوضع اللمسات الأخيرة للبدأ في عمليات الإبادة وبعد الاجتماع بيوم خرج راتكو ملاديتش أمام وسائل الإعلام يتجول في المدينة يتوعد لسكانها بالأمان والحماية السماح لهم بالخروج من المدينة.
الـ11 من يوليو 1995:
بعد مغادرة وسائل الإعلام في اليوم نفسه وانتهاء المشاهد التمثيلية من قبل راتكو ملاديتش وقواته بدأت المذبحة وتمهيداً لها تم فصل الرجال عن الأطفال والنساء الرجال اقتيدوا إلى موقع المجزرة والنساء اقتيدوا إلى مخيمات تمهيداً لاغتصابهن وإشباع الملذات الجنسية للجنود الصرب بعد الانتهاء من قتل رجالهن. استمرت تلك المجزرة أربعة أيام والجرافات تهيئ لهم المقابر الجماعية ويتم قتلهم بشكل جماعي ومن سنحت له الفرص للهروب من تلك المجزرة كانت الغابات هي الخيار الأوحد للنجاة بحياتهم رغم أنها كانت تشكل خطراً هي الأخرى حيث كانت مليئة بالألغام وكل هذا يثم أمام أعين (قوات حفظ السلام الأممية) بدون أن تحرك ساكناً أمام مذبحة راح ضحيتها 8 آلاف من مسلمي البوسنة مذبحة لم يستثنى منها لا كبير ولا صغير.
ردت الأمم المتحدة ببيان استنكاري تدين فيه الإبادات وعمليات التطهير العرقي في حق مسلمي البوسنة وتتوعد بملاحقة مرتكبي تلك الجرائم. بيانٌ زائف لم تتجاوز كلماته تلك الورقة التي كُتب فيها الاستنكار، وفي سنة 2005 اعتبر أمينها العام أن ضحايا سربرنيتشا تم قتلهم بطريقة متعمدة وممنهجة واعتبرت أن هولندا مسؤولة عن تلك المجزرة بتواطؤها عن حماية المدنيين وفي المقابل تبرئ الأمم المتحدة نفسها من مسؤوليتها في المذبحة وتحاول غسل يديها الملطخة بدماء المسلمين في تلك المذبحة.
وقفة
مذبحة سربرنيتشا أماطت اللثام على الوجه المصطنع الذي تروج له الأمم المتحدة بين الشعوب ببعض الكلمات المارقة و بيانات استنكارية براقة تدين وتستنكر إذا غابت الحجج والأدلة وإذا ظهرت الحجج مارست سياسة التعتيم من أجل تزييف الحقائق. الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات التي تتخذ من (الإنسانية) شعار لها تخدم الإنسان لكن عندما يتعلق الأمر بالمسلمين فخدماتها معطلة وغير متاحة لهم. سربرنيتشا ستبقى وصمة عار على المنظمات الإنسانية الدولية لأنها كشفت عن تلك الصورة المزيفة وعرتها أمام الملأ. الذاكرة الجريحة لا تنسى مآسيها مهما حاول الزمن أن يوهمها بالنسيان.
____________________________________________________
الكاتب: محسن الورد
Source link