ألا إن قرار المرأة داخل البيت خير وبركة. فالمنْتَج من الرجال والنساء بحال من يُنْتِجه، فمن تُربيه “سيدة” معلَّمةٌ مدربةٌ ليس كمن تربيه تافهة خفيفة لا حظ لها في علم ولا فَهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
بعض النساء لهن القدرة على نقد الخطاب، والرد على الخفيف من الكلام، والمبادرة، وأخذ قرار وتنفيذه إن رأت تهاونًا من الرجال. وهذا النوع من النساء مغري لأكثر الرجال، ولكنهم يحبونه نظريًا ويكرهونه عمليًا!
يريد عاقلة حازمة تخلفه في أهله وماله بخير، وتتخلى عن حزمها وعقلها حال التعامل معه. ولا يكون. فالطبع واحد.
وهذا النوع من النساء لا يستكين، حقيقة وليس ادعاءً، إلا تحت نوعية خاصة جدًا من الرجال.. السادة من الرجال.. أولئك الذين لهم عقل ويد. وحتى مع هذه النوعية يأتيها طبعها من وقت لآخر فتتقلب. وتحتاج لنوعٍ عالٍ من السياسة: عقل وحزم.. رقة وصلابة.. ومنطق عذب.. وأحيانًا “شخط”!!
حضور هذا النوع من الكريمات الفضليات يثير سؤالًا عن معنى ناقصات عقل ودين، الذي ورد في الحديث الشريف الصحيح. كيف تكون هذه العاقلة الحازمة التي تتفوق على كثيرٍ من الرجال ناقصة عقل؟!
ذكر بعض المنتسبين للعلم والدعوة الحديث ثم قال عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أنه كان “بيهزر مع الستات”. ولم يكن الهزار مع النساء من خلق النبي، صلى الله عليه وسلم، ولم يكن المقام مقام هزار (مزح). بل كان مقام وعظ. يرغبهن في الجنة ويخوفهن النار. وعظَ الرجال ثم وقف على النساء يعظهن رفقة خاصته من الرجال، وهذا نص كلامه، صلى الله عليه وسلم،: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّى أراَكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ. فَقُلْنَ: وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل الحازم من إحداكن فقيل: يا رسول الله، ما نقصان عقلها؟ قال: أليست شهادة المرأتين بشهادة رجل؟). هذا هو الحديث بسياقه.. ليس فيه شيء من هزار(مزح) كما يدعي هؤلاء.
وقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكذلك لازم قوله، حق كله. فإن صح نِسبة القول إليه فعلينا أن نحاول فهمه بشكل صحيح، لا أن نبادر برد النص أو ترحيله لمناطات أخرى بالتأويل. ونسأل: ما نقصان عقلها؟!، كيف تكون المرأة ناقصة عقل؟، وخاصة هذه النوعية من النساء؟
أَوضَحُ إجابة هي التي ذكرت في ذات الحديث الشريف، حيث استخدم الحبيب، صلى الله عليه وسلم، المثل في البيان {(وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُون)} (العنكبوت:43)، واستخدم الاستفهام التقريري، ما يعني أن المثل حق مستقر في حس من يسمع، (أليست شهادة المرأتين بشهادة رجل؟!).
نعم لابد من امرأتين حال الشهادة، والسبب مذكور في كتاب الله {(أَن تَضِلَّ إِحۡدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحۡدَىٰهُمَا ٱلۡأُخۡرَىٰ)} (البقرة:282)، والضلال اختلاط الأمور حتى يصعب التمييز بينهما. وهو غير النسيان الذي يعني غياب الأمر كلية، (لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى) (طه: 52). يذهب عقلها حال الحدث الجلل وتختلط عليها الأمور فتحتاج من يتحدث معها حتى تُنقي هذا من هذا، وهذا من هذا.
يفقدن السيطرة على مقود القيادة حال الجد فتنحرف وقد يهلك الجميع. ولذا: «“لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» ” (صحيح البخاري) ولفظة “قوم”و “إمرأة” نكره في سياق النفي تفيد العموم لا أنها تعليق على قصة خاصة، بل استخدم “حالة” للتعميم؛ ولو كان القصد الفُرس وحدهم لقال، صلى الله عليه وسلم.. وهو أفصح الناس بيانًا، لن يفلح الفرس بعد أن ولوا أمرهم امرأة.
وإن كانت بجوارك إحدى النساء فانظر إليها مع من تحب، أو تكره، تميل كل الميل إلى من تحب.. وتميل كل الميل عمن تكره وخاصة إن كانت مستغنية عنه. تكون معك على أحسن حال ثم تثور زعابيب الخيال برأسها فتستخفها وتحملها على الحماقة، ثم تفيق بعد أن قطعت ما بينك وبينها، إلا أن تكون أنت حليمًا عاقلًا فتصبر وتتصبر وتستحضر خيرها لتمرر ما اعترض عقلها فأنقصه.
وقد ربط الحبيب، صلى الله عليه وسلم، بين نقصان الدين بما يدور عليها كل شهر ونقصان العقل، وهذا ربط بديع. والمعنى فكما أنه يعترضها عارض كل شهر ينقص دينها يعترضها عارض من وقتٍ لآخر ينقص عقلها.. وهذا العارض هو العاطفة التي تجتاحها من حينٍ لحين. وغالب هذا الاجتياح (الخلل العاطفي) يكون وقت نقصان الدين، حيث يحدث حالة من اضطراب المزاج عند المرأة بفعل تغير الهرمونات في الجسد، يؤثر، هذا التغير، على قرارتها أو استقرارها النفسي، تمامًا كما تؤثر العوارض العاطفية مع المواقف غير الطبيعية.
ويكمل المتأملون في سلوك الإنسان (علماء الاجتماع) بأن أسباب النقصان هذه (اجتياح العاطفة) ضرورة للقيام بمهامها تجاه الأبناء والزوج. وأكملُ أنا بأن عامة الخلل في التوصيف سببه زاوية الرؤيا، بمعنى أن من ينظر، في الغالب، إنما ينظر من زاوية محددة، بمعنى يرى شيئًا ويغيب عنه أشياء، ثم يحاول تعميم نظرته الجزئية، وهذا بعينه ما يحدث في تناول موضوع “ناقصات عقل ودين”، وهذا تفصيل بما يناسب مقال:
وحدة البناء عندنا هي الأسرة، والتي تتكون من أربعة عناصر: أولهما: رجل شاب فتي شغله السعي على تأمين حاجة أسرته المادية والنفسية والاجتماعية. وثانيهما: زوجة تقوم على حاجة زوجها وأبناءها. وثالثهما: أبناء يلعبون ويمرحون ويجتهدون في بناء ذاتهم.. كل حسب ما يحسن أو ما يحب. ورابعهما: أجداد نمت عقولهم وتراكمت خبراتهم وضعفت أبدانهم ولهم عند الشباب جميل سبق. فاستراحت أبدانهم، وعُنوا بدورٍ يناسب ضعف أبدانهم وتراكم خبراتهم، وهو تثقيف الصغار وإرشاد الشباب بمفاهيم كلية تحدد مساراتهم في الحياة.. يمدون من يصغي إليهم بتجارب توفر عليهم سنوات من أعمارهم إن عقلوا وامتثلوا. كأن الأسرة مؤسسة ذات تخصصات متعددة.. كل حيث يحسن.
وكل فرد في الإسلام في أسرة، ولحظة انفكاكه عن أسرة هي لحظة التحامه في أسرة جديدة. فوحدة التحليل الاجتماعي عندنا هي الأسرة لا الفرد ولا الفعل (واحد الأفعال/ السلوك).. هذا هو مستوى النظر والتحليل عندنا (الأسرة)، فلا الرجل خير من المرأة كونه رجلًا، ولا المرأة خير من الرجل كونها أنثى. التفاضل في منظومتنا بالتقوى ( {إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ )} (الحجرات:13). وصنف الرجال من حيث العموم رفعه الله على صنف النساء في بعض الأمور التي تتعلق بالقوامة وإدارة شئون الأسرة وليس في كل شيء، وقد جاء في ذكر الطلاق والخلافات الأسرية { (وَلِلرِّجَالِ عَلَيۡهِنَّ دَرَجَة)} (البقرة:228). ومن أراد أن يقارن فلا يقارن بين رديء وسيدة، وإنما بين سيد وسيدة، ورديء ورديئة.
ولم يحدث أن أثير خلاف ذكوري أنثوي في نموذجنا المثالي الذي نقيس عليه، أعني الصحابة والتابعين {﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ﴾} (آل عمران: 110)، {(فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ )} (البقرة:137). كان الكل راضيًا منصرفًا لأداء ما يحسن أو ما يحب، لم تكن القضية أبدًا ذكر وأنثى، فكل ذكر معظِّم لأنثى (أمه، وابنته، وأخريات) وكل أنثى تعظِّم ذكرًا وترجوه (ابنها، وأبيها، وآخرين).
ظهر التنافس الذكوري الأنثوي مع العلمانية، وذلك أن العلمانية تقيِّم المجتمع على مستوى الفرد (ذكرًا كان أم أنثى)، وليس على مستوى الأسرة. ولذا يعتبرون الكل سواء. ولذا يدعون للمساواة بين الجميع، مع أن المساواة ظلم إن اختلفت الإمكانات. فليس الذكر كالأنثى كما قال العليم الخبير سبحانه وعز وجل. وبالتالي تجاهلوا التخصصية والتكامل بناءً على الإمكانات الذاتية.
والملاحظ أن عامة النساء اللواتي خرجن من البيت، حقيقة بأجسادهن أو حكمًا من خلال العمل من داخل البيت، عملن في مجالات تناسب صفاتهن الأنثوية، وأيضًا، استخدمن من قبل المنظومة العلمانية فيما يناسب صفاتهن الجسدية (الدعاية للسلع التجارية، ونشر الشهوات/ أو توطين عبادة الأنثى وهو دين العلمانية أو أحد أشهر أديانها).
وإن النظر للمجتمع من مستوى “أسرة” متعددة التخصصات، يعطي لكلٍ حقه، ولا يدفع به إلى حيث لا يحسن. والله يقول: {(وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡض لِّلرِّجَالِ نَصِيب مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيب مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسَۡٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمًا)} (النساء:32). وبداخل الأسرة تجد هذه العاقلات من النساء (السيدات) مساحة واسعة وخاصة في التأثير على أبنائها، فكما قيل وراء كل عظيم امرأة (أمه).
ألا إن قرار المرأة داخل البيت خير وبركة. فالمنْتَج من الرجال والنساء بحال من يُنْتِجه، فمن تُربيه “سيدة” معلَّمةٌ مدربةٌ ليس كمن تربيه تافهة خفيفة لا حظ لها في علم ولا فَهم.
وإننا نردد حديثًا عطرًا بهيًا عن نساء صنعن سادة الرجال، فنقول: أم الإمام مالك، وأم الإمام الشافعي، وأم الإمام أحمد بن حنبل، وأم محمد الفاتح، وأم صلاح الدين. تاه منا، أو تُهنا نحن عن حديث شديد الوضاءة ملأ الدنيا بشذاه قرونًا عن دور النساء في تعليم أبنائهن. وخاصة تعليم القرآن والسيرة والحديث وقيم الإسلام العليا (العقيدة). فمن ذا الذي ينشط لأخذ المرأة من أتون الشارع ومكاتب البيروقراطية وجعلها معلمة ومربية لأبنائها ومن حولها من الصغار؟.. من ذا الذي ينشط لجعل البيت مؤسسة تربوية وتعليمية كما قد كان؟
د. محمد جلال القصاص
Source link