من حلف بالطلاق ثم فعله ناسيًا – خالد عبد المنعم الرفاعي

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإنَّ كان الحال كما ذكرت أن زوجتك فعلت ما حلفت عليه ناسية، فلا يقع الطلاق ولا تجب كفارة اليمين؛ وذلك لأمرين:

الأول: أن قولَ “عليَّ الطلاق” ليس طلاقًا في أصله، وإنما هو يَمينٌ بالطلاق، ومَعْناهُ: الطلاقُ يلزَمُني لأَفْعَلَنَّ كذا وكذا، أو لا أفعل كذا وكذا، ويُرادُ به ما يراد من اليمين من الحَثّ أوِ المنعُ أوِ التأكيدُ..

قال شَيْخُ الإسلام ابن تيمية – قدس الله روحه ونور ضريحه – في معرض كلامه على اليمين بالطلاقُ: “وللعلماء في هذه الأيمانِ ثلاثةُ أقوال: 

– أحدها: أنه إذا حَنَثَ لزِمَه ما حلف به.

– والثاني: لا يلزمه شيء.

– والثالث: يلزمه كفارة يمين.

قال: والقول الثالث أظهر الأقوال; لأن الله تعالى قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2]. وقال: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة:89].

وثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في صحيح مسلم، وغيره، من حديث أبي هريرة، وعدي بن حاتم، وأبي موسى، أنه قال: ((ومن حلف على يمين، فرأى غيرَها خيرًا منها، فَلْيَأْتِ الذي هو خيرٌ، ولْيُكَفِّرْ عن يمينه)).

وهذا يعم جميع أيمان المسلمين، فمن حلف بيمين من أيمان المسلمين وحنث أجْزَأَتْهُ كفَّارةُ يمين. ومن حلف بأيمان الشرك: مثل أن يحلف بتربة أبيه; أو الكعبة، أو نعمة السلطان، أو حياة الشيخ، أو غير ذلك من المخلوقات؛ فهذه اليمين غير مُنْعَقِدَة، ولا كفَّارةَ فيها إذا حنث باتفاق أهل العلم… إلى أن قال: وعن عائشة – رضي الله تعالى عنها أنها قالت -: “كلُّ يمين وإن عَظُمَت فكفارتها كفارة اليمين بالله”، وهذا يتناول جميع الأيمان؛ من الحلف بالطلاق، والعتاق، والنذر.

 وقال: والقول بأنَّ الحالف بالطلاق لا يلْزَمُه الطلاقُ مذهَبُ خلقٍ كثير من السَّلَف والخَّلَف; لكن فيهم من لا يُلزِمُه الكفَّارة؛ كداود، وأصحابه، ومنهم من يُلْزِمُه كفَّارة يمين؛ كطاوس، وغيره من السَّلَف والخَّلَف، وأظهر الأقوال وهو القول الموافق للأقوال الثابتة عن الصحابة وعليه يدلُّ الكتابُ والسُّنَّةُ والاعتبارُ: أنه يُجْزِئه عن كفارة يمين في جميع أيمان المسلمين…”. انتهى كلام شيخ الإسلام باختصار

الثاني: أن الراجح من أقوال أهل العلم أن من فعل ما حلف عليه جاهلاً أو ناسيًا فلا يحنث.

جاء في “المغني” لابن قدامة (9/ 494-496): “أن من حلف أن لا يفعل شيئًا، ففعله ناسيًا، فلا كفارة عليه، نقله عن أحمد الجماعة، إلا في الطلاق والعتاق، فإنه يحنث، هذا ظاهر المذهب، واختاره الخلال وصاحبه، وهو قول أبي عبيد.

وعن أحمد، رواية أخرى، أنه لا يحنث في الطلاق والعتاق أيضًا، وهذا قول عطاء، وعمرو بن دينار، وابن أبي نجيح، وإسحاق، قالوا: لا حنث على الناسي في طلاق ولا غيره، وهو ظاهر مذهب الشافعي؛ لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه»؛ ولأنه غير قاصد للمخالفة، فلم يحنث، كالنائم والمجنون، ولأنه أحد طرفي اليمين فاعتبر فيه القصد، كحالة الابتداء بها…”. اهـ.

وعليه، فإن كانت زوجتك قد فعلتْ ما حلفت عليه بالطلاق ناسية، فإنَّ الطلاقَ لا يقع، ولا شيء عليكما؛ لأنَّ الله تعالى رفَع المُؤَاخذة عن الناسي، وهذا يعمُّ جميع الأحكام، ومَنْ فرَّق بين حُكم وحُكم، طُولبَ بالدَّليل على التَّفْريقِ،، والله أعلم.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

حكم المسح على الخفين الخفيفتين إذا لبس على غير وضوء – خالد عبد المنعم الرفاعي

منذ حوالي ساعة السؤال: ما حكم لبس الخفين الخفيفتين دون الوضوء والمسح عليهم الإجابة: الحمد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *