تقدم لي رجل باوروبا ديّن وملتزم الا انه منذ فترة اكتشفت بأن لديه ابن زنا عمره ما يقارب السنة! واعترف لي بأنه كان بعلاقة مع فتاة مسيحية لاقل من الثلاث شهور وانه تركها عندما شعر بأنه يفعل ذنب عظيم وانه تاب وعزم على ان تكون اول واخر مرة. ولكن الفتاة حملت ولم تخبره بذلك. اسألتي كالتالي: 1. هل استمر معه بطريق الزواج مع اكثار الاستخارة؟ 2. اذا ارتضيته لي كزوج ، ما المطلوب مني شرعا من ناحية ابنه في الزنا؟ ومن ناحيته هو كزوج؟ 3. ما المطلوب من الأب شرعا اتجاه ابن الزنا؟ هل يجب ان يرعاه ويربيه؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فمن المعلوم أن الحكم على المرء بما عليه الآن، فلا ينظر إلى نقص البداية، ولكن ينظر إلى كمال النهاية، والإنسان قد ينتقل من نقص إلى كمال، فإن كان هذا الرجل قد تاب توبة صادقة بحيث يَظْهَر آثارها عليه في كلامه وهديه، وسلوكه الشخصي، ونُفرته من المعاصي عمومًا، ومن تلك الموبقة خصوصًا:- فلا بأس مِن الارتباط به، إن كان ظاهرُه التديُّن، ومحافظًا على الفرائض، ومُجتنبًا لما حرَّمه الله، وكان مع ذلك حسَن الخلُق، وهذا هو المعيارُ الشَّرعي؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا جاءكم مَن ترضون دينه وخُلُقه، فأنكحوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنة في الأرض وفساد))، قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال: ((إذا جاءكم مَن ترضون دينه وخلقه فأنكحوه)) ثلاث مرات؛ رواه التِّرمذي.
فبَيَّنَ الصادقُ المصدوق أن المرأة متى تقدَّم لها رجلٌ يرتضى دينه وخُلُقه، ورَضِيَهُ الأولياءُ؛ فالواجب على وليِّها تزويجها له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (18/185- 186): “فإن الله قد بين في كتابه وسنة رسوله أنه يتوب على أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع؛ وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10]، قال الحسن البصري: “انظروا إلى هذا الكرم! عذبوا أولياءه وفتنوهم، ثم هو يدعوهم إلى التوبة“، وكذلك توبة القاتل ونحوه، وحديث أبي سعيد المتفق عليه في الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا يدل على قبول توبته، وليس في الكتاب والسنة ما ينافي ذلك، ولا نصوص الوعيد – فيه وفي غيره من الكبائر – بمنافية لنصوص قبول التوبة؛ فإنه قد علم يقينًا أن كل ذنب فيه وعيد، فإن لحوق الوعيد مشروط بعدم التوبة؛ إذ نصوص التوبة مبيّنة لتلك النصوص“. اهـ. مختصرًا.
وقال أيضًأ في “شفاء العليل”(ص: 118): “وكثير من الناس ينظر إلى نفس ما يتاب منه، فيراه نقصًا، ولا ينظر إلى كمال الغاية الحاصلة بالتوبة، وأن العبد بعد التوبة النصوح خير منه قبل الذنب، ولا ينظر إلى كمال الربوبية وتفرد الرب بالكمال وحده وأن لوازم البشرية لا ينفك منها البشر، وأن التوبة غاية كل أحد من ولد آدم وكماله، كما كانت هي غايته وكماله؛ فليس للعبد كمال بدون التوبة البتة، كما أنه ليس له انفكاك عن سببها، فإنه سبحانه هو المتفرد المستأثر بالغنى والحمد من كل وجه وبكل اعتبار، والعبد هو الفقير المحتاج إليه المضطر إليه بكل وجه وبكل اعتبار، فرحمته للعبد خير له من عمله؛ فإن عمله لا يستقل بنجاته ولا سعادته، ولو وكل إلى عمله لم ينج به البتة؛ فهذا بعض ما يتعلق بقوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم” ومما يوضحه أن شكره سبحانه مستحق عليهم بجهة ربوبيته لهم، وكونهم عبيده ومماليكه، وذلك يوجب عليهم أن يعرفوه ويعظموه ويوحدوه ويتقربوا إليه تقرب العبد المحب الذي يتقلب في نعمه، ولا غناء به عنه طرفة عين، فهو يدأب في التقرب إليه بجهده ويستفرغ في ذلك وسعه وطاقته ولا يعدل به سواه في شيء من الأشياء، ويؤثر رضا سيده على إرادته وهواه، بل لا هوى له ولا إرادة إلا فيما يريد سيده ويحبه، وهذا يستلزم علومًا وأعمالاً، وإرادات وغرائم لا يعارضها غيرها ولا يبقى له معها التفات إلى غيره بوجه ومعلوم”.
إذا تقرر هذا، فلا مانع من الزواج بمن وقع في الزنا ثم تاب وأقلع عن الذنب بالكلية.
ويراحع على موقعنا الفتويين: التعامل مع الابن الغير شرعي، الأحكام المتعلقة بالابن الغير شرعي،، والله أعلم.
Source link