الأسرة الناجحة لا تعرف التسويف

إن الأسرة التي تنشد النجاح تعرف أن عدوها الأول للوصول إلى هذا النجاح المنشود هو التسويف، فنراها تعمل دوماً على تجنب الوقوع أسيرة لهذه الآفة المدمرة، فتلجأ إلى الأخذ بالعزم، والتسلح بالإرادة الصلبة…

أراني لا أهتم بعبارة « لا تؤجّل عمل اليوم إلى الغد ».. أقول دائماً في نفسي: ماذا سيحدث لو أجّلت عمل اليوم إلى الغد..؟! أرى الأيام كلها متشابهة..! لا يوجد تغيير..! وأتساءل: هل لو أديت عمل اليوم سيتغير الغد؟ هكذا بادرني صديقي (الأب) بسيل من الاعتقادات، وسيل من الاعترافات، وسيل من الأسئلة..!

قلت له: على رسلك.. لماذا كل هذا التشاؤم؟! قال: أنا لست متشائماً.. ولكنها حقيقة الواقع الذي نحياه..! سألته: ما هو آخر عمل فكّرت فيه، وخططت لإنجازه؟ قال: الأعمال كثيرة. قلت: وهل بدأت في إنجاز أحدها؟ قال: لا.. وإنما سوف أبدأ. قلت: متى ستبدأ؟ قال: لا أعرف تحديداً.. ولكني سوف أبدأ. قلت: الآن.. عرفت سبب كل هذا التشاؤم من الغد، وسبب كل هذه التوقعات السلبية لما سيحدث في الغد..

أو لنقل عدم الاهتمام بالغد كما ينبغي..! قال متهكماً: وما هو السبب يا ترى؟! قلت: إنه التسويف.. قال: التسويف؟! قلت: نعم إنه التسويف الذي حجب عنك البدء في إنجاز عملك في الوقت المحدد، والذي فكرت فيـه وتكبدت الكثير من الجهد والتعب في تخطيطه، ثم أجلت – مسوّفاً– البدء في تنفيذه..!

وها أنت لم تبدأ في إنجاز عملك، ومن ثم لم تذق طعم النجاح الذي كنت تنشده وقت التخطيط..! وهكذا الحـال بالنسبة للأعمال الكثيرة التي ذكرتها، فالتسويف أصّل في نفسك عدم الاهتمام بالإقدام وإنجاز الأعمال, والخوف من الفشل هو الذي يدفعك إلى اللجوء إلى التسويف أي تأجيل البدء في إنجاز عملك..! وكأنها دائرة مفرغة..! ويدفعك التسويف دون أن تدري – أو تدري –إلى اختلاق الأعذار الواهية، والإبداع في اللجوء إلى الحجج التي تبرر بها تقاعسك وعدم إقدامك..! إلى أن تقنع نفسك بأنه لا فرق بين البدء أو تأجيل البدء في إنجاز الأعمال..!

اعتدل في جلسته، وأخذ يفرك عينيه، ثم وجّه سهام نظره إلى عيني متسائلاً: أكلّ هذا من التسويف؟ وهل له هذه الخطورة حقاً؟! وكأني كنت أنتظر منه أن يطرح هذه التساؤلات..! حتى انطلقت أُفنّدُ له ما هو التسويف، وما هي خطورته، وآثاره التي تعترض طريق النجاح، وما هي وسائل علاجه والتغلب عليه.. فقلت: التسويف: هو تأخير وتأجيل تنفيذ عمل ما دون مبرر أو عذر حقيقي مقبول.

أسباب التسويف:
وللتسويف العديد من الأسباب..أهمها: دور الأسرة في تأصيل آفة التسويف في نفوس أبنائها..! فنرى العديد من الأسر تفكر في إنجاز عمل، وتحدد وقت تنفيذه، وسرعان ما تلجأ إلى التسويف وتأجيل تنفيذه دون عذر قهري، أو عذر مقبول.

دور الأصدقاء..! فصحبة الكسالى والمسوّفين تؤثر بلا شك في تشكيل وتأصيل هذه الآفة في نفس الصديق.. وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: « «لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي» ». والمؤمن الحق تراه يقدر الوقت حق قدره ويعلم علم اليقين أن الوقت هو حياته، فلا تراه مسوّفا ولا كسولاً.. وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف أن نستعيذ من الكسل والذي يعّد من أهم أعوان التسوّيف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل…» ».
ضعف الإرادة والتراخي مع النفس، وفتور الهمة، وخوار العزيمة، والتهاون مع النفس وعدم أخذها بالحزم والحسم، كل هذا من الأسباب القوية التي تؤدي بل وتؤصل في النفس آفة التسويف، ومن ثم القعود عن العمل بحجة أنه مازال في الغد فرصة.. بل فرص..!. طول الأمل، ونسيان الموت

أهم آثار التسويف:
– عدم تحقيق النجاح المنشود و  الندم في وقت لا ينفع فيه ندم، فالمسوّف – بلا شك – يفوّت على نفسه الكثير من الفرص، فالفرصة.. إذا أتت ولم تغتنمها في وقتها الصحيح فإنها لن تعود ثانية في الغالب الأعم.
– تراكم الأعمال مما يؤدي إلى استحالة أدائها وإنجازها في الأوقـات المحددة سلفاً، مما يصيب المسوّف بالإحباط، ومن ثم اللجوء إلى المزيد من التسويف الذي يؤدي به في النهاية إلى عدم الإنجاز، وبالتالي جني الفشل. ولكي تحقق النجاح في عمل ما عليك البدء في القيام بإنجازه، وفقاً لما خططته سابقاً، في وقته المحدد، أي أنّك لاتؤديه قبل وقته المحدد فتوصف عندئذ بالعَجُول، ولا تؤديـه بعـد الوقت المحدد فتوصف عندئذ بالمسوّف، ومن ثم تدخل في دائرة التقصير..!. فكثير من الشباب تفوتهم فرص التفوق إن كانوا طلاّباً، أو فرص التقدم الوظيفي لمن يعمل منهم.. بسبب التسويف..!.

فالطالب الذي يهمل مذاكرة دروس اليوم، ويلجأ إلى التسويف.. ويقول في نفسه: سوف أذاكر غداً، ويأتي الغد ليكرر نفس الوعد الذي لن يتحقق –سوف أذاكر غداً– وهكذا إلى أن يفاجأ بدخول موعد الاختبارات وهو لم يحصل من دروسه على الشيء الذي يمكّنه من النجاح فضلاً عن تحقيق التفوق..!.
….. 
فالتسويف آفة من الآفات المعادية للهمة، حيث تجد الإنسان المسوّف يؤجل عمل يومه إلى الغد أو بعد الغد، وقد يكون مصمماً فعلاً على إنجاز هذا العمل غداً أو بعد غد، ولكنه لم يأخذ الظروف والعوامل الخارجية، أو الظروف النفسية الذاتية الداخلية في الحسبان، والتي قد تعيقه عن القيام بالعمل الذي كان في استطاعته إنجازه لو قام به في وقـته المحـدد، ولم يلجأ فيه إلى التسويف..

وسائل علاج والتغلب على التسويف
– جنّب نفسك اختلاق الأعذار.. فالمسوّف أكثر الناس اختلاقاً للأعذار، فلا تلجأ إلى اختلاق الأعذار، وعدم تحميل نفسك المسؤولية الحقيقية عن تقصيرك في إنجاز الأعمال، واللجوء إلى التأجيل.

–  تعامل مع نفسك بذكاء.. كأن تضع لنفسك برنامجاً ممتعاً عقب إنجاز عمل شاق، فإن رغبتك في الاستمتاع بهذا البرنامج الممتع قد تدفعك إلى إنجاز العمل الشاق وإنهائه في موعده المحدد.. أي تدفعك رغبة الاستمتاع إلى عدم اللجوء إلى التسويف.

– حاول أن تمحو من ذاكرتك الكلمات المعينة على التسويف مثل «سأقوم بعمله غداً»، «فيما بعد»، «سأفعل ذلك غداً» دون تقديم مشيئة الله، وقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن ذلك في قوله تعالى ( {ولا تقولن لشيءٍ إني فاعل ذلك غداً * إلا أن يشاء الله…} ) ( [الكهف 23 – 24] ). فلا تضع في ذهنك إلا ما يجب إنجازه اليوم، ولا تشغل ذهنك بما يجب عملـه في الغد إلا بعد إنجاز عمل اليوم. كان ابن عمر يقول ” إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غدا».

– أصّل في نفسك أن لكل عمل وقته الخاص به.. فلا يصح تأجيل عمل اليوم إلى الغد، أو استجلاب عمل الغد إلى اليوم..! إن كانت هناك خطة زمنية معدة سلفاً، ومحددة الأوقات الخاصة بإنجاز الأعمال.

– اعتن بالتخطيط الصحيح والفعال، والذي تحدد فيه غاياتك وأهدافك تحديداً واضحاً، فضلاً عن تحديد وسائل تنفيذ هذه الأهداف. واعلم أن المسوّف يعمل –إن عمل– بشكل ارتجالي وشمولي، فهو بعيد عن التخطيط الصحيح والتنظيم الفعال.

– ضع في ذهنك إنجاز العمل المحدد طبقاً للأهداف المحددة، وبالجودة المطلوبة، وابتعد عن المثاليات فقد يكون طلبها أحد أسباب تأجيل العمل، ومن ثم عدم إنجازه.

 – خذ نفسك بالعزيمة، وذكّرها دوماً بأن تعب اليوم يجلب راحة الغد.

– رسّخ في نفسك أن التسويف من صفات الضعفاء أصحاب الفكر السقيم، والرأي الضعيف، والهمة المتدنية. الدعاء إلى الله دوماً بأن يجنبك التسويف الذي يورث العجز والكسل، والضعف، والركون إلى الراحة.

إن الأسرة التي تنشد النجاح تعرف أن عدوها الأول للوصول إلى هذا النجاح المنشود هو التسويف، فنراها تعمل دوماً على تجنب الوقوع أسيرة لهذه الآفة المدمرة، فتلجأ إلى الأخذ بالعزم، والتسلح بالإرادة الصلبة، والسير على بصيرة نحو تحقيق أهدافها التي خططت لها بشكل علمي مدروس.

__________________________________________________

  • اسم الكاتب: مجلة الأسرة ( بتصرف يسير )

Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح ما يفعل من رأى الرؤيا أو الحلم

منذ حوالي ساعة الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه؛ فلينفث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *