سميت سورة الطلاق بسورة النساء الصغرى لأنها تتحدث عن أحكام تتعلق بالمرأة فى مراحل حياتها المختلفة وشئون الأسرة وما تتعرض له من مشكلات وكيفية التصرف إذا وقع الطلاق وما يتعلق به من أحكام
سميت سورة الطلاق بسورة النساء الصغرى لأنها تتحدث عن أحكام تتعلق بالمرأة فى مراحل حياتها المختلفة وشئون الأسرة وما تتعرض له من مشكلات وكيفية التصرف إذا وقع الطلاق وما يتعلق به من أحكام
لما حذرت الآيات فى سورة التغابن من الافتتان بالأزواج والأولاد فقد يكون منهم أعداء للإنسان وقد تفضى العداوة إلى الطلاق فى النهاية وحينها ينتصر كل طرف لنفسه ويترك الزوج الإنفاق على أولاده وإعطاء المرأة حقوقها بعد الطلاق فعقبت بسورة الطلاق لتبين أحكام الطلاق والإنفاق على الأولاد حتى لا يترك الأمر بيد بشر فتتحكم فيها الأهواء والمصالح الشخصية
كما بينت سورة التغابن حقيقة الابتلاء وموقف المؤمن منه إذ يقول تعالى :”
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيم (11)ٞ”}
ثم جاءت سورة الطلاق لتفصل فى نوع من أنواع الابتلاءات وهو الطلاق وهو أشد ابتلاء يواجهه الأسرة ودعت الآايات إلى الصبر واليقين وتفويض الأمر لله كما بينت أهمية طاعة الله والامتثال لأوامره
كما تحدث سورة التغابن عن عاقبة الأمم السابقة إذ يقول تعالى : “ { أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمۡرِهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ (5) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُۥ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيد ” كذلك جاء الحديث فى سورة الطلاق عن نفس المعنى إذ بقول تعالى :”وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا (8) فَذَاقَتۡ وَبَالَ أَمۡرِهَا وَكَانَ عَٰقِبَةُ أَمۡرِهَا خُسۡرًا”}
يقول تعالى
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا (1)}
سبب نزول الآيات : أن عبد الله بن عمر أخبره أنه طلق امرأة له وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فتغيظ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم قال: “ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر بها الله عز وجل ” رواه البخارى
ورواه مسلم ولفظه: “فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء”
الخطاب موجه للنبى صلى الله عليه وسلم بشخصه وهو أمر للمسلمين كافة هذا وإن دل فإنما يدل على خطورة الأمر المتحدث فيه وهو أمر الطلاق فإن كان الطلاق مر فهو فى بعض الأحيان يكون علاجا ودواءا لا مفر منه حين تستحيل العشرة وتسوء الطباع وهو ينبنى عليه أحكام خاصة بالأسرة التى هى الدعامة الأساسية للمجتمع والتى من المفترض أن تبنى على أساس من المودة والرحمة فدعتهم الآيات للتمسك بالتقوى والامتثال لأوامر الله حين وقوع الطلاق
وهذا دليل على أن ليس للرجل أن يطلق زوجته فى أى وقت فقد ينطق بكلمة الطلاق فى وقت الحيض لدى الزوجة الذى تكون فيه على غير طبيعتها تكون تحت تاثير عوامل بيولوجية ونفسية واضطراب فى الهرمونات تجعلها سريعة الغضب مما يستفز الرجل فتجعله يخرج عن شعوره فينطق بهذه الكلمة ولعله إذا تحرى السنة فى وقت الطلاق فقد ينتهى الخصام ويعود الوئام إلى الطرفين فى هذه المدة
لذا فعليه أن ينتظر فترة طهر لم يحدث فيها جماع فإذا حاضت له أن يطلقها إن شاء وذلك حتى يضمن براءة الرحم من الحمل ومن جهه آخرى لا يطلقها إلا إذا استبان حملها وقد يكون ذلك سبب ادعى إذا عرف أنها حامل فقد يرجع عن قراره ويمسكها
وهذه أول محاولة فى السورة لرأب الصدع فى البناء الأسرى
والمطالب بإحصاء العدة هم الأزواج أو الزوجات لما يترتب عليه من أحكام
هل يقع الطلاق فى فترة الحيض ؟ الطلاق فى هذه الحالة يسمى طلاق بدعى أى ليس على السنة وعلى أغلب رأى المفسرين أنه يقع ولكن صاحبه يكون عليه إثم
ثم يأمر الله تعالى الزوج بتقوى الله إذ يقول تعالى :” { وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ ” } أمرهم بتقوى الله والإمتثال لأوامره والجمع بين لفظ الجلالة والربوبية فالرب هو المسئول وهو الذى يدبر أمور عباده ويرزقهم فلا يخشى من يمر بتجربة الطلاق من انقطاع الأرزاق فهو الرب المدبر
يقول تعالى :” {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ } “أى لا تخرجوهن من بيوتهن حتى تنقضى فنترة العدة
والتعبير ببيوتهن إضافة البيوت إليهن بالرغم أنها ملك لأزواجهن دليل على حقهن فى الإقامة بها حتى تنتهى العدة ولا يخرجن إلا فى حالة وقوع الزنا وعن بن عباس المقصود بالفاحشة هى بذاءة اللسان
يقول الطبرى :” والصواب من القول في ذلك عندي قول من قال: عنى بالفاحشة في هذا الموضع: المعصية، وذلك أن الفاحشة هي كلّ أمر قبيح تعدّى فيه حدّه، فالزنى من ذلك، والسرق والبذاء على الأحماء، وخروجها متحوّلة عن منـزلها الذي يلزمها أن تعتدّ فيه منه، فأي ذلك فعلت وهي في عدتها، فلزوجها إخراجها من بيتها ذلك، لإتيانها بالفاحشة التي ركبتها ” .
والحكمة من عدم الإخراج هو إعطاء فرصة للرجعة مرة آخرى واستثارة المودة واسترجاع الذكريات الطيبة بينهما وتذكر الحسنات فيعود الزوج إلى صوابه أما إذا خرجت من منزل الزوجية فور حدوث الطلاق ولم تنتظر حتى انقضاء العدة فقد يطول الشقاق بينهم ولا تعود الأمور كما كانت فالبعد يعلم الجفاء كما يقولون فيوسوس شياطيين الإنس للزوجة أو للزوج فيتسبب فى عناد كل منهما وتمر فترة العدة بلا أمل فى الرجوع
{وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ}
تلك شرائع الله ومحارمه من يتعداها فلم يظلم إلا نفسه بمخالفته لأوامر الله وأضر ببيته بأن فوت على نفسه إمكانية الصلح والعودة للحياة الزوجية مرة آخرى وبذلك يكون أضر بأطفاله وأضر بزوجته أنه لم يعطيها حقوقها
{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا}
لعل باجتماعهما تحت سقف واحد يؤلف الله بين قلوبهما وتتغير الأحوال ويقلب الله القلوب من الكره إلى المودة والصفاء وعودة الحياة لهذه الأسرة من جديد
وطوال فترة العدة له أن يراجعها بكلمة قد راجعت أما إذا انقضى الأجل وانتهت العدة فله أن يراجعها ولكن بعقد ومهر جديدين لأنها تصبح بائنة منه بينونة صغرى إما أن يفترقا بالمعروف وهو مأمور بالمعاملة بالمعروف فى كلتا الحالتين سواء راجعها أم فارقها فهناك من يراجعها قبل انتهاءالعدة ثم يطلقها الثانية والثالثة وهذا من التعنت فى الطلاق لتصبح كالمعلقة لا هى متزوجة ولا نالت حريتها لتفتدي منه نفسها ومن المضار أيضا تلويث السمعة أو السب والضرب والايذاء البدنى وكل هذا يحدث فى غياب التقوى التى تحكم الأمور وتردها إلى شرع الله وتنفيذ الأحكام
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ( 2}
يقول ابن كثير أى :” شارفن على انقضاء العدة وقاربن ذلك ، ولكن لم تفرغ العدة بالكلية ، فحينئذ إما أن يعزم الزوج على إمساكها ، وهو رجعتها إلى عصمة نكاحه والاستمرار بها على ما كانت عليه عنده . محسنا إليها في صحبتها ، وإما أن يعزم على مفارقتها من غير مقابحة ، ولا مشاتمة ، ولا تعنيف ، بل يطلقها على وجه جميل وسبيل حسن” .
وفى حالة الطلاق أو الرجعة يطلب الشهادة على ذلك شهادة اثنين عدول ممن تثقون فى أمانتهم ودينهم
فكما علم الناس بالزواج يعلموا بالطلاق وقد يعلمون بالطلاق ولا يعلمون بالرجعة فتثير الشكوك حولهم والاقاويل ثم أمرهم بالشهادة بالحق مبتغين بها وجه المولى عزوجل
{“ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ “} ربط تنفيذ الأحكام والاتعاظ بأمر الله بالإيمان به واليوم الآخر فمن يؤمن أن هناك يوما يقف فيه بين يدى المولى عزوجل للحساب هو من يتقى الله فى زوجته وأولاده والمؤمن الحقيقى هو الذى يبرهن على إيمانه بالتعاملات فالمواقف هى التى تصدق الإيمان أو تكذبه وخير دليل على ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم :”خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله “
{ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا” “}
ثم يختم بأن تقوى الله هى مفتاح الفرج والمخرج عندما تضيق السبل وتتعسر الأمور وهذا عام لكل أمور الحياة والأمر بالتقوى فى أمور الطلاق وأحكامه فهى تطمئن كل طرف أنه عندما يتقى الله وهو ينفصل عن شريكة فسيجعل الله له مخرجا وسعة فى الرزق ففى بعض الاحيان نجد الزوجة تتراجع عن قرار الطلاق رغم ما تذوقه من مرار وعذابات خوفا من ضيق الرزق بعد الانفصال فمن أين ستنفق على نفسها وأبنائها فتأتى الآيات لتبث فيها الطمأنينة أن الرزق بيد الله يرزق بغير حساب فعليها أن تتوكل على الله فهو الفعال لما يريد وتؤمن أن الطلاق وقع بقدر الله فلا تحمل نفسها فوق طاقتها كما أن أحكام الطلاق والعدة وما يترتب عليها كلها من عند الله فإذا سلمت الأمر بذلك وفوضت الأمر لله فقد توكلت على الله فسيأتى لك بالحق إن كنت مظلوما وسيرزقك من فضله الواسع
يقول صاحب الظلال فى قوله “وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ” فمجال الكيد في هذه العلاقة واسع، ومسالكه كثيرة، وقد تؤدي محاولة اتقاء الكيد إلى الكيد! فهنا إيحاء بترك هذه المحاولة، والتوكل على الله، وهو كاف لمن يتوكل عليه. فالله بالغ أمره. فما قدر وقع، وما شاء كان; فالتوكل عليه توكل على قدرة القادر، وقوة القاهر. الفعال لما يريد. البالغ ما يشاء. ۚ”
قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا يقول القرطبى أى جعل لكل شىء من الشدة والرجاء أجلا ينتهى إليه “
وفى قوله
{“وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا”}
بينت الآيات عدة المرأة التى يئست من الحيض إما لكبرها وإما لأنها لم تصل إلى سن البلوغ فعدتها ثلاثة أشهر كما بين عدة المطلقة الحامل والمتوفى عنها زوجها عدتها وضع الحمل على قول أغلب العلماء
وقوله : ( إن ارتبتم ) فيه قولان
أحدهما – وهو قول مجاهد ، والزهري ، وابن زيد – : أي إن رأين دما وشككتم في كونه حيضا ، أو استحاضة ، وارتبتم فيه
والقول الثاني : إن ارتبتم في حكم عدتهن ، ولم تعرفوه فهو ثلاثة أشهر
وعن ابن عباس أنهما ذهبا في المتوفى عنها زوجها أنها تعتد بأبعد الأجلين من الوضع أو الأشهر ، عملا بهذه الآية الكريمة ،بمعنى انها إذا مات عنها زوجها وهى فى الشهر الثالث مثلا فعدتها وضع حملها وليس اربعة أشهر وعشرا
ثم يكرر معنى التقوى الذى يختم به معظم الآيات فى هذه السورة فالتقوى هنا ثمرتها تكفير السيئات وتعظيم الأجر يخاطب في الطرفين الحس الإيمانى والحث على الثواب والأجر عند الطلاق فلا يعسر الأمور ويعقدها
{ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)}
فهى لفتة إلى أن أحكام الطلاق امر من الله لعباده وشرع أنزله إليهم ليس لهم أن يعارضوا كلامه ليضع علي أمر الطلاق لباس الهيبة حتى يعلم الزوج أن الأمر ليس بيده يتحكم فيه حيث يشاء إنما هى أحكام منزلة من عند الله ويبين أهمية تقوى الله وثمراته من تكفير الذنوب وإعطاء الأجر الكبير على العمل اليسير
{“أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ }
ثم يبين ما يجب للمعتدة من طلاق رجعى من سكنى ونفقة على الزوج بقدر سعته وطاقته حتى تضع حملها وتكون مدة الحمل هى فترة العدة بالنسبة لها ولا يضيقوا عليهن سواء بضيق المسكن أو بقلة النفقة حتى تفتدى نفسها وتطلب الخلع فى النهاية ثم خص بالذكر المطلقة إذا كانت حامل فيجب النفقة عليها حتى تضع الحمل حتى تتغذى ويتغذى الجنين وهذا من الإنفاق على الولد الواجب شرعا ومن رحمة الإسلام بالأم ورضيعها فإذا أرضعت ولدها استحقت الأجر على الرضاعة رعاية لحقها وحق الطفل وتستعين به على إدرار اللبن للطفل فهى تحتاج إلى غذاء ورعاية وهذا فى حالة المطلقة طلقة بائنة
وليكن أمركم بينكم بالمعروف من غير ضرر ولا ضرار
{وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ } يقول الخازن : أي ليقبل بعضكم من بعض إذا أمره بالمعروف وقيل يتراضى الأب والأم على أجر مسمى والخطاب للزوجين جميعاً أمرهم أن يأتوا بالمعروف وما هو الأحسن ولا يقصدوا الضرار ، وقيل المعروف هاهنا لا يقصر الرجل في حق المرأة ونفقتها ولا المرأة تقصر في حق الولد ورضاعه
{وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } فإن لم يتفقا بشأن الرضاعة فحقوق الطفل مكفولة له بقرآن يتلى إلى يوم القيامة
يقول القرطبى : أي في أجرة الرضاع فأبى الزوج أن يعطي الأم رضاعها وأبت الأم أن ترضعه فليس له إكراهها ; وليستأجر مرضعة غير أمه
وهذه الآية تبين أهمية التشاور بين الزوجين فى مصلحة الابناء حتى من بعد الفراق لأنها مسئولية مشتركة بين الوالدين فلا يكون فراقهما نكبة على الطفل الصغير
{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}
ثم يفصل فى أمر النفقة على قدر السعة حتى لا يجور هو ولا تتعنت هى فمن كان رزقه ضيق فلينفق بقدر استطاعته وليس عليه حرج ومن وسع الله عليه فلينفق بقدر سعته إن الله لا يحمله أكثر من طاقته فالأرزاق بيد الله ولكن يتوقف الأمر على ضمير المسلم ونيته أنه يريد أن يعطى أولاده ومن كانت زوجته فى يوم من الأيام حقها مراعاة للعشرة فإذا رأى منه صدق نية يسر له أمره ووسع له رزقه وجعل بعد الضيق فرجا
وفى ظل هذه الأحكام والالتزام بتقوى الله يفارق الزوج زوجته وفى قلب كل منهم شىء من الود وحفظ للعشرة بينهم فتحيا بذور الود بينهم وتنبت فى قلب ابنائهما وهذا هو أدب الإسلام الرفيع الذى تبثه فينا الآيات
ولما ذكر الله عزوجل احكام الطلاق وما يترتب عليها من واجبات والتزمات للطرفين فحذر ممن يتعدى حدود الله ويعصى أوامره بتذكر ما حدث للأمم السابقة عندما كذبت وعصت أمر ربها وهذا لما للطلاق من شأن عظيم وماذا بعد انهدام الأسرة وتشتت شملها ؟!
{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا } عندما طغت وتمردت على أوامر الله ورسله فجاءها العقاب والحساب الشديد وأذاقها الله ألوان العذاب من القحط والجوع وتسلط الأعداء فعذبها عذابا عظيما يفوق التصور لمخالفتها أمر الله عزوجل
ما وقع بلاء إلا بذنب فلم تجن فى النهاية سوى الخسارة
ثم أمر عباده المؤمنين بالتقوى التى هى سبب للنجاة من المهالك وتفريج الكربات كما ذكر فى بداية السورة إذ يقول تعالى :”
{أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ قَدۡ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكُمۡ ذِكۡرٗا ” }
فعلى كل لبيب أن يتعظ بغيره من الأمم السابقة التى هلكت من قبل لعدم طاعتها لله قد أنزل إليكم قرآن يتلى وتشريعات ربانية يتدبرها العاقل ويستحضر معانيها ومقاصدها ليعمل بها فيقى نفسه ومن حوله العذاب
{“رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا }
بعث إليكم رسولا يتلو عليكم الآيات الواضحات تفرق بين الحق والباطل ليخرج المؤمنين من الضلال إلى الهدى ومن ظلمات الكفر لنور الإيمان فمن يصدق بالله ويعمل بطاعته يدخله جنات النعيم فى الآخرة ويطيب له الرزق
يقول الطبرى فى قوله ” قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا”
“قد وسع الله له في الجنات رزقًا، يعني بالرزق: ما رزقه فيها من المطاعم والمشارب، وسائر ما أعدّ لأوليائه فيها، فطيبه لهم.
ثم تختم السورة ببيان عظم خلق الله عزوجل فى السموات والأرض وقدرته التامة وملكه العظيم وإحاطة علمه بكل شىء ولا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء فلا يمنعه من عقابكم شىء فهذا أدعى إلى أن نخاف الله ونعظم أوامره فى نفوسنا ونعمل للآخرة
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } (12)
وقوله تعالى ( ومن الأرض مثلهن ) أي سبعا أيضا ، كما ثبت في الصحيحين ” من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين ” وفي صحيح البخاري ” خسف به إلى سبع أرضين “
كانت بمثابة حكم وعظات لكل من خالف امر الله وتعقيبا على أحكام الطلاق السابقة
وإذا كنا نتحدث عن أحكام الطلاق فهى دعوة إلى تذكر قدرة الله وإحاطة علمه بكل شىء فلا تدعه نفسه ليظلم من تحته زوجة وأولاد نتيجة لحظة غضب او تصرف غير مناسب
نظرة على الإسلام والأسرة :
إن الاسلام لا يحارب الفطرة إنما ينظمها ويرفعها عن المستوى الحيوانى ويجعل المشاعر والأحاسيس الراقية هى التى تحكم العلاقة الجنسية لا كما ينظر لها العقائد الوثنية المنحرفة فيجعل الزواج رباط انسانى وثيق يربط النفس بالنفس ويصل بينهما صلة مودة ورحمة تربط بين الزوجين آمال مشتركة والآم مشتركة ومستقبل مشترك وقد أرتفع الإسلام بشان المرأة التى كانت تعامل كالرقيق فى شبة الجزيرة العربية وفى المجتمعات الآخرى كان ينظر لها على أنها شيطان نجس فحفظ لها حقها منذ ولادتها فى حقها أن تعيش ولا توأد وأن تستاذن فى زواجها إلى كونها زوجة لها حقوق تصان من خلال قواعد وقوانين ملزمة للمجمتع المسلم
يقول صاحب الظلال :
والذي ينظر في تشريعات الأسرة في القرآن والسنة في كل وضع من أوضاعها ولكل حالة من حالاتها، يجد ربط شأن الاسرة بالله مباشرة في كل موضع، كما هو الحال في هذه السورة وفي غيرها.. يدرك إدراكا كاملا ضخامة شأن الأسرة في النظام الإسلامي، وقيمة هذا الأمر عند الله، وهو يجمع بين تقواه – سبحانه – وتقوى الرحم في أول سورة النساء حيث يقول: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام. إن الله كان عليكم رقيبا .. كما يجمع بين عبادة الله والإحسان للوالدين في سورة الإسراء وفي غيرها: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا .. وبين الشكر لله والشكر للوالدين في سورة لقمان: أن اشكر لي ولوالديك ..
ويعد الإسلام الزواج وسيلة للتطهر والارتفاع فيدعو الأمة المسلمة لتزويج رجالها ونسائها إذا قام المال عقبة دون تحقيق هذه الوسيلة الضرورية لتطهير الحياة ورفعها: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم، إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم. وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله .. ويسمي الزواج إحصانا أي وقاية وصيانة ويستقر في أخلاد المؤمنين أن البقاء بدون إحصان ولو فترة قصيرة لا ينال رضى الله. فيقول الإمام علي – كرم الله وجهه – وقد سارع بالزواج عقب وفاة زوجه فاطمة بنت الرسول – صلى الله عليه وسلم – : “لقد خشيت أن ألقى الله وأنا عزب”.. فيدخل الزواج في عرف المؤمن في الطاعات التي يتقرب بها إلى ربه. وترتفع هذه الصلة إلى مكان القداسة في ضميره بما أنها إحدى الطاعات لربه
إنه يهتف بالرجال: وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا .. فيميل بهم إلى التريث والمصابرة حتى في حالة الكراهية، ويفتح لهم تلك النافذة المجهولة: فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا فما يدريهم أن في هؤلاء النسوة المكروهات خيرا، وأن الله يدخر لهم هذا الخير. فلا يجوز أن يفلتوه. إن لم يكن ينبغي لهم أن يستمسكوا به ويعزوه! وليس أبلغ من هذا في استحياء الانعطاف الوجداني واستثارته، وترويض الكره وإطفاء شرته.
فإذا تجاوز الأمر مسألة الحب والكره إلى النشوز والنفور، فليس الطلاق أول خاطر يهدي إليه الإسلام. بل لا بد من محاولة يقوم بها الآخرون، وتوفيق يحاوله الخيرون: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله، وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما. إن الله كان عليما خبيرا .. وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا. فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير ..
فإذا لم تجد هذه الوساطة، فالأمر إذن جد، وهناك ما لا تستقيم معه هذه الحياة، ولا يستقر لها قرار. وإمساك الزوجية على هذا الوضع إنما هو محاولة فاشلة، يزيدها الضغط فشلا، ومن الحكمة التسليم بالواقع، وإنها هذه الحياة على كره من الإسلام، فإن أبغض الحلال إلى الله الطلاق.
فإذا أراد أن يطلق فليس في كل لحظة يجوز الطلاق. إنما السنة أن يكون في طهر لم يقع فيه وطء.. وفي هذا ما يؤجل فصم العقدة فترة بعد موقف الغضب والانفعال. وفي خلال هذه الفترة قد تتغير النفوس، وتقر القلوب، ويصلح الله بين المتخاصمين فلا يقع الطلاق!
ثم بعد ذلك فترة العدة. ثلاثة قروء للتي تحيض وتلد. وثلاثة أشهر للآيسة والصغيرة. وفترة الحمل للحوامل. وفي خلالها مجال للمعاودة إن نبضت في القلوب نابضة من مودة، ومن رغبة في استئناف ما انقطع من حبل الزوجية.
ولكن هذه المحاولات كلها لا تنفي أن هناك انفصالا يقع، وحالات لا بد أن تواجهها الشريعة مواجهة عملية واقعية، فتشرع لها، وتنظم أوضاعها، وتعالج آثارها. وفي هذا كانت تلك الأحكام الدقيقة المفصلة، التي تدل على واقعية هذا الدين في علاجه للحياة، مع دفعها دائما إلى الأمام. ورفعها دائما إلى السماء.
ليعلم الناس أن
.. هذا دين رفيع.. لا يعرض عنه إلا مطموس. ولا يعيبه إلا منكوس،. فإنه لا يدع شريعة الله إلى شريعة الناس إلا من أخلد إلى الأرض واتبع هواه
Source link