حديث: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام

منذ حوالي ساعة

إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام”، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة …

فيصل آل مبارك

عن جابر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح: «“إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام”، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: “لا، هو حرام”، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: “قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه، فأكلوا ثمنه”» .

جملوه أي: أذابوه.

قوله: (عام الفتح)، وفي رواية يقول: عام الفتح وهو بمكة، قوله: إن الله ورسوله حرم.

قال القرطبي: إنه صلى الله عليه وسلم تأدُّب فلم يجمع بينه وبين اسم الله في ضمير الاثنين؛ لأنه من نوع ما رد به على الخطيب الذي قال ومن يعصهما.

قال الحافظ: (ولم تتفق الرواة في هذا الحديث على ذلك، فإن في بعض طرقه في الصحيح إن الله حرم ليس فيه ورسوله، وفي رواية لابن مردويه أن الله ورسوله حرَّمَا، وقد صح حديث أنس في النهي عن أكل الحمر الأهلية: إن الله ورسوله ينهيانكم، ووقع في رواية النسائي في هذا الحديث ينهاكم، والتحقيق جواز الإفراد في مثل هذا، ووجهه الإشارة إلى أن أمر النبي ناشئ عن أمر الله، وهو نحو قوله: والله ورسوله أحق أن يرضوه، والمختار في هذا أن الجملة الأولى حذفت لدلالة الثانية عليها، والتقدير عند سيبويه: والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه، وهو كقول الشاعر: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ والرأي مختلف، وقيل: أحق أن يرضوه خبر عن الاسمين؛ لأن الرسول تابع لأمر الله)[1]؛ انتهى.

قوله: (حرم بيع الخمر والميتة)، والميتة ما زالت عنه الحياة بغير ذكاء شرعية، وهي حرام بالكتاب والسنة والإجماع؛ قال تعالى: {﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ﴾} [المائدة: 3].

ونقل ابن المنذر وغيره: الإجماع على تحريم بيع الميتة، ويُستثنى من ذلك السمك والجراد.

قوله: ( «فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس» )؛ أي: فهل بيعها لما ذكر من المنافع، فإنها مقتضية لصحة البيع.

قوله: (فقال: «“لا، هو حرام”» )؛ أي: البيع.

قال الحافظ: (هكذا فسَّره بعض العلماء كالشافعي ومن اتَّبعه، ومنهم من حمل قوله: “هو حرام” على الانتفاع، فقال: يحرم الانتفاع بها، وهو قول أكثر العلماء، فلا ينتفع من الميتة أصلًا عندهم إلا ما خص بالدليل، وهو الجلد المدبوغ، واختلفوا فيما يتنجس من الأشياء الطاهرة، فالجمهور على الجواز، وقال أحمد وابن الماجشون: لا ينتفع بشيء من ذلك، واستدل الخطابي على جواز الانتفاع بإجماعهم على أن من ماتت له دابة، ساغ له إطعامها لكلاب الصيد، فكذلك يسوغ دهن السفينة بشحم الميتة ولا فرق.

قوله: (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: “قاتل الله اليهود”)… إلخ.

قال الحافظ: وسياقه مشعر بقوة ما أوله الأكثر أن المراد بقوله: هو حرام البيع لا الانتفاع، وروى أحمد والطبراني من حديث ابن عمر مرفوعًا: الويل لبني إسرائيل؛ إنه لما حرمت عليهم الشحوم، باعوها فأكلوا ثمنها، وكذلك ثمن الخمر عليكم حرام.

عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال وهو عند الركن: قاتل الله اليهود إن الله حرم عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا أثمانها؛ لأن الله إذا حرم على قوم أكلَ شيء، حُرِّم عليهم ثمنه؛ رواه أبو داود.

قال الحافظ: والظاهر أن النهي عن بيع الأصنام للمبالغة في التنفير عنها، ويلتحق بها في الحكم الصلبان التي تُعظمها النصارى، ويحرُم نحت جميع ذلك وصَنعتُه، قال: ويستثنى من الميتة عند بعض العلماء ما لا تحله الحياة كالشعر والصوف والوبر، فإنه طاهر؛ فيجوز بيعه وهو قول أكثر المالكية والحنفية، وزاد بعضهم العظم والسن والقرن والظلف، وقال بنجاسة الشعور الحسن والليث والأوزاعي، ولكنها تطهر عندهم بالغسل وكأنها متنجسة عندهم بما يتعلق بها من رطوبات الميتة لا نجاسة العين، ونحوه قول ابن القاسم في عظم الفيل: إنه يطهر إذا سلق بالماء)[2].

وقال شيخ الإسلام: وقرن الميتة، وعظمها، وظفرها، وما هو من جنسه: كالحافر ونحوه طاهر، وقاله غير واحد من العلماء، ويجوز الانتفاع بالنجاسات، وسواء في ذلك شحم الميتة وغيره، وهو قول الشافعي، وأومأ إليه، وأحمد في رواية ابن منصور، وقال أيضًا: ويطهر جلد الميتة الطاهرة حال الحياة بالدباغ، وهو رواية عن أحمد[3].

قوله: (والخنزير) قال ابن التين: شذ بعض الشافعية، فقال: لا يقتل الخنزير إذا لم يكن فيه ضراوة، قال: والجمهور على جواز قتله مطلقًا؛ انتهى.

وروى البخاري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «“والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد» “.

قوله: ( «قاتل الله اليهود» ) في رواية: “قاتل الله يهود”.

قال الحافظ: بالتنوين على إرادة البطن، وبغيره على إرادة القبيلة.

قال البخاري: معناه لعنهم.

وقال البيضاوي: أي عادى أو قتل، وأخرج في صورة المبالغة، أو عبر عنه بما هو مسبب عنهم، فإنهم بما اخترعوا من الحيلة انتصبوا لمحاربة الله، ومن حاربه حرب، ومن قاتله قتل.

قوله: ( «إن الله لما حرم عليهم شحومها» )، وفي رواية: “حرمت عليهم الشحوم”.

قال الحافظ: أي أكلها، وإلا فلو حرم عليهم بيعها، لم يكن لهم حيلة فيما صنعوه من إذابتها، قال: وفيه إبطال الحيل والوسائل إلى المحرم[4]؛ انتهى.

وعن ابن عباس رضي الله عنه يقول بلغ عمر أن فلانًا باع خمرًا، فقال: قاتل الله فلانًا ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها؛ متفق عليه، وبالله التوفيق.

 


[1] فتح الباري: (4/ 425).

[2] فتح الباري: 4/ 425.

[3] الفتاوى الكبرى: (5/ 313).

[4] فتح الباري: (4/415).

 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *