منذ حوالي ساعة
هذا شهرُ شعبان، رسولُ رمضان، وسفيرُ شهر القرآن. كان النبيُّ ﷺ يجتهد فيه ويخصُّه بمزيد صيام، دون غيره من الشهور وقال ﷺ «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ..».
الحمد لله الذي هدانا للإيمان، وأكرمنا بالإسلام، وشرفنا بالقرآن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وعد المؤمنين بالدرجات في الجنات، وحفظ المتقين من الزلَّات والغفلات، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله، بشَّر الصالحين بمغفرة الله والرحمات، وأرشد أمَّته للتوقِّي من الهفوات والعثرات، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، وصحبه الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلِّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، فإنما يتقبل الله من المتقين، واشكروه فإن الله سيجزي الشاكرين، وتوبوا إليه فإن الله يحبُّ التوّابين، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].
معاشر المؤمنين، هذا شهرُ شعبان، رسولُ رمضان، وسفيرُ شهر القرآن.
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يجتهد فيه ويخصُّه بمزيد صيام، دون غيره من الشهور؛ ممَّا أثار انتباه الصحابةِ إلى ذلك، فقال أُسَامَةُ بن زَيْدٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُما – قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ فقَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»؛ (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).
ونقف اليوم، عباد الله، مع إشارة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث للغفلة.
فالغفلةُ داءٌ عضال، فهي تصرف القلبَ عن الله تعالى، وتصرف العقلَ عن التفكُّرِ في حسن العاقبة، وتصرف النفسَ عما يطهِّرها ويزكِّيها، وتصرف البدن عما فيه صلاحه وعافيته، وتحجب المرء عمَّا فيه سعادته في دنياه، ونجاته في أُخْراه.
وقد عرض القرانُ الكريمُ الغفلةَ في خمسٍ وثلاثين آيةٍ محذرًا من الوقوع فيها، قال تعالى محذرًا من الغفلة وتعطيلها لحواسِّ المرء ومنعه الهداية: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].
وبيَّن لنا القرآنُ عاقبةَ الغفلةِ ممثلةً في آلِ فرعون، فقال تعالى: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 136].
كما حذَّرنا من أسباب الغفلة، ومنها الاستكبار وعدم التدبُّر في آيات الله تعالى، فقال جلَّ وعلا: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 146].
كما جاء التحذيرُ من مصاحبةِ الغافلِ قلبه؛ لأن ذلك سببٌ للانجرار معه في غفلاته، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].
معاشر المؤمنين، إن مما يحفظ المؤمنَ من الغفلات: كثرةُ الذكرِ لله تعالى، فهي وصية الله لعباده {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205].
جاء رجلٌ الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ شرائعَ الإسلامِ قد كثُرت عليَّ، فأخبِرني بشيءٍ أتشبَّثُ به، قال: «لا يزالُ لسانُك رطبًا من ذكرِ اللهِ».
ومما يحفظ المؤمن من الغفلات التزامُ الصلوات في المساجد التي {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 36- 37].
وممَّا يحفظ المؤمنَ من الغفلات صحبةُ الصالحين، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].
ومما يحفظ من الغفلات تتابعُ العملِ الصالح وتعاهدُ القربات، كما أوصى ربُّنا جلّ وعلا نبيَّه صلى الله عليه وسلم {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، وقال تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا} [مريم: 76].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمالِ فتَنًا كقطعِ اللَّيلِ المظلمِ، يصبحُ الرَّجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا، يبيعُ أحدُهم دينَهُ بعرضٍ منَ الدُّنيا».
_______________________________________
الكاتب: يحيى سليمان العقيلي
Source link