حكم التحرش بالمرأة الأجنبية – خالد عبد المنعم الرفاعي

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعـد

فمن المقرر شرعًا وعقلاً أن الظلم جنس تحت أنواع كثيرة: منه ما هو شرك أكبر؛ كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]، أي: بشرك، وقوله تعالى: { يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لقمان: 13].

 ومنه ما هو كبيرة، والكبائر تتفاوت في عظم قبحها تفاوتًا بليغًا، فمن ذلك: المماطلة في حَقوق الناس مَعَ القدرة على الْوَفَاء؛ كما فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: “مطل الْغَنِيّ ظلم”، وَفِي رِوَايَة: “لي الْوَاجِد ظلم يحل عرضه وعقوبته”، وأكل حق الأجير؛ ففي صَحِيح البُخَارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: “يَقُول الله تَعَالَى ثَلَاثَة أَنا خصمهم يَوْم الْقِيَامَة، وَمن كنت خَصمه خَصمته: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره “.

هذا؛ وحدُّ الكبير: أنها كل ذنب ترتّب عليه حدٌّ في الدنيا، أو تُوعِّد عليه بالنار، أو اللعنة، أو الغضب، أو العقوبة، أو نفي إيمان.

أما لم يترتّب عليه حدٌّ في الدنيا، ولا وعيدٌ في الآخرة، فهو صغيرة، غير أن أهل العلم نصوا على أن الصغيرة تكون كبيرة في بعض الحالات، منها: الإصرار والمداومة عليها؛ كما صحَّ عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: “لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار”.

ومنها: الاستهتار بالمعصية واستصغارها؛ فقد صحّ من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “يا عائشة إيَّاكِ ومُحقرَاتِ الأعمال فإن لها من الله طالباً))؛ رواه أحمد.

وروى أيضًا عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا: كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق، فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سوادًا، فأججوا نارًا، وأنضجوا ما قذفوا فيها”.

ومن الظلم ما هو من صغائر الذنوب: كاللطمة والنظرة ولمس الأجنبية، وتقبلها، وغير ذلك من الظلم الذي لم يدخل في حد الكبيرة.

 إذا علم هذا، ظهر أن القبلة واللمس والتحرش والنظر للنساء ونحوها من صغائر الذنوب؛ لعدم تطابق حد الكبيرة عليها، وهذا ما فهمه علماء الصحابة الكبار، ومنهم حبر الأمة عن عبدالله بن عباس، ففي الصحيحين عنه أنه قال: “ما رأيت شيئًا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه”، واللمم هو صغار الذنوب.

جاء في “معالم السنن” (3/ 223) للخطابى: “قوله: اشبه باللمم، يريد بذلك ما عفا الله عنه من صغائر الذنوب، وهو معنى قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: 32]، وهو ما يُلم به الإنسان من صغائر الذنوب التي لا يكاد يسلم منها إلاّ من عصمه الله تعالى وحفظه، وإنما سمي النظر زنا، والقول زنا، لأنهما مقدمتان للزنا؛ فإن البصر رائد، واللسان خاطب، والفرج مصدق للزنا، ومحقق له بالفعل”.

وقال النووي في “شرح مسلم”( 16/206):  “ومعنى الآية: الذين يجتنبون المعاصي غير اللمم يغفر لهم اللمم، كما في قوله تعالى: { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31]، فمعنى الآيتين أن اجتناب الكبائر يسقط الصغائر، وهي اللمم”.

إذا تقرر هذا؛ علم أن الله سبحانه وتعالى تفضل على عباده بغفران اللمم، إذا لم يكن للفرج تصديق بها، فإذا صدقها الفرج كان ذلك كبيرة، وأن صغائر الذنوب تكفر باجتناب كبارها.

أما الحديث المذكور في السؤال فيدل على أن: الذنب الذي أصابه ذلك الرجل وسأل عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – فنزلت الآية بسببه= كان من الصغائر، وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الصلاة إنما تكفر الصغائر دون الكبائر، وكذلك الوضوء، غير أن الصلاة تكفر أكثر مما يكفر الوضوء، كما قال سلمان الفارسي – رضي الله عنه -: الوضوء يكفر الجراحات الصغار، والمشي إلى المسجد يكفر أكثر، والصلاة تكفر أكثر من ذلك”، قاله ابن رجب في فتح الباري” (4/ 205).

أما طلب العفو من المظلوم فإنما يكون في الظلم عمومًا، صغيره وكبيره، فمن تحرش بامرأة وجب عليه أن يطلب العفو منها إن استطاع، وإلا أكثر من الدعاء لها، والإكثار من الأعمال الصالحة؛ فالمظالم والحقوق يجب أن ترد إلى أهلها؛ كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: ((من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم؛ إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه؛ فحمل عليه))؛ رواه البخاري من حديث أبي هريرة.

وعنه في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “أتدرون ما المفلس؟” قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: “إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار“،، والله أعلم.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

حكم المسح على الخفين الخفيفتين إذا لبس على غير وضوء – خالد عبد المنعم الرفاعي

منذ حوالي ساعة السؤال: ما حكم لبس الخفين الخفيفتين دون الوضوء والمسح عليهم الإجابة: الحمد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *