أهمية الوقت – طريق الإسلام

هناك آفات وعوائق كثيرة تضيِّع على المسلم وقته، وتكاد تذهب بعمره كله إذا لم يفطن إليها ويحاول التخلص منها، ورأس تلك العوائق الغفلة والتسويف

إن هذا الوقت والزمن والعمر عرضةٌ للصرف والبذل، فإما أن يكون بفائدة وإما أن يكون في غير ما فائدة، وبما أن الوقت هو أغلى ما يملك الإنسان فإن الإسراف في بذله في غير ما فائدة هو من أعظم الخسران.

 

فمن تتبَّع أخبار الناس وأحوالهم، وعرف كيف يقضون أوقاتهم وكيف يمضون أعمارهم، عَلِمَ أن أكثر الخلق يهدرون أوقاتهم، محرومون من نعمة استغلال العمر واغتنام الوقت، ويزداد العجب عجبًا من فرح هؤلاء بمرور الأيام، وتوالي الأعوام، وهم في غفلة معرضون، وفي غمرة ساهون.

 

يقول ابن الجوزي رحمه الله: “ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل”.

 

ولقد عني القرآن الكريم والسنة المطهرة بالوقت من نواحٍ شتى وبصور عديدة، فقد أقسم الله بالوقت في مطالع سور عديدة؛ مثل: الليل والنهار، والفجر والضحى والعصر، ومعلوم أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه، دلَّ ذلك على أهمية وعظمة ذلك المقسم به، وليلفت الأنظار إليه، وينبه على جليل منفَعته.

 

 

وجاءت السنة لتؤكد على أهمية الوقت وقيمة الزمن، وتبين أن الإنسان مسؤول عنه يوم القيامة، روى الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( «لَا تَزُولُ قَدَمُ عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ كَيْفَ عَمِلَ فِيهِ» ؟)).

 

قال ابن الجوزي رحمه الله: “قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون”.

 

أيها المسلمون، إذا علمنا وأدركنا أهمية الوقت وجب علينا أمور كثيرة، لكي نستفيد ونستثمر وندخر هذا الوقت، ومن هذه الأمور:

 

أولًا: الحرص على استثمار هذا الوقت الثمين وعدم التفريط في لحظة واحدة منه، يقول الحسن البصري رحمه الله: “أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم”.

 

ثانيًا: تنظيم الوقت، فيقدَّم من الأعمال والأقوال الأهمّ فالمهم، بحيث لا يطغى بعضها على بعض، خاصة إذا تعددت مسؤولياته بين حق الله وحق الوالدين وحق الزوجة والأولاد وحق عامة الناس، وفي الحديث: (( «إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» ))؛ (أخرجه البخاري من حديث سلمان رضي الله عنه) .

 

ثالثًا: اغتنام وقت الفراغ، فالفراغ نعمة يغفل عنها كثير من الناس فلا يؤدون شكرها، ولا يقدرونها حق قدرها، فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغ» )).

 

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على اغتنام وقت الفراغ، فقال صلى الله عليه وسلم: (( «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» ))؛ (رواه الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وصححه الألباني) .

 

عباد الله، لا بد من اتخاذ الأسباب المعينة على حفظ الوقت من الهدر والضياع، ومن تلك الأسباب:

أولًا: محاسبة النفس فيما يتعلق بصرف الوقت، وهي من أعظم الوسائل التي تعين المسلم على اغتنام وقته في طاعة الله.

 

ثانيًا: تربية النفس على علو الهمة، فمن ربَّى نفسه على التعلق بمعالي الأمور والتباعد عن سفاسفها، كان من أحرص الناس على اغتنام وقته، ومن عَلَت هِمَّتُه لم تقنع بالدون، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

 

إذا ما عَلا المرءُ رام العلا  **  ويقنعُ بالدُّونِ من كان دُونا 

 

ثالثًا: مصاحبة المحافظين على أوقاتهم، فإن صحبة هؤلاء ومخالطتهم والحرص على القرب منهم والتأسي بهم تعين على اغتنام الوقت، وتقوي النفس على استغلال ساعات العمر في طاعة الله.

 

رابعًا: معرفة حال السلف مع الوقت، فإن معرفة أحوالهم وقراءة سيرهم أكبرُ عون للمسلم على حسن استغلال وقته، فهم خير من أدرك قيمة الوقت وأهمية العمر، وقد ضربوا أروع الأمثلة في اغتنام دقائق العمر واستغلال أنفاسه في طاعة الله، قال ابن مسعود رضي الله عنه: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي”، وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: “الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما”.

 

وقال موسى بن إسماعيل رحمه الله: “لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكًا قَطُّ صدقتكم، كان مشغولًا بنفسه؛ إما أن يُحدِّث، وإما أن يقرأ، وإما أن يسبح، وإما أن يصلي، كان قد قسم النهار على هذه الأعمال”، وقال ابن القيم رحمه الله: “إضاعة الوقت أشدُّ من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها”.

 

خامسًا: تنويع ما يُستغل به الوقت، فإن النفس بطبيعتها سريعة الملل، وتنفر من التكرير، وتنويع الأعمال يساعد النفس على استغلال أكبر قدر ممكن من الوقت وينشطها إلى ذلك.

 

سادسًا: إدراك أن ما مضى من الوقت لا يعود ولا يُعوَّض، فكل يوم يمضي، وكل ساعة تنقضي، وكل لحظة تمرُّ ليس في الإمكان استعادتها، ومن ثمَّ لا يمكن تعويضها.

 

سابعًا: تذكُّر الموت وساعة الاحتضار، وتذكُّر السؤال عن الوقت يوم القيامة حين يستدبر المرء الدنيا ويستقبل الآخرة ويتمنى لو مُنح مهلة من الزمن؛ ليصلح ما فسد، ويتدارك ما فات، ولكن هيهات هيهات، فقد انتهى زمن العمل، وحان زمن الحساب والجزاء.

 

أيها المسلمون، إن مجالات استثمار الوقت كثيرة، وللمسلم أن يختار منها ما هو أنسب وأصلح له، ومن هذه المجالات:

 

أولًا: حفظ كتاب الله تعالى وتعلُّمه، وهذا خير ما تعمرُ به الأوقات وتُقضى فيه اللحظات، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على تعلُّم كتاب الله، فقال صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))؛ رواه البخاري من حديث عثمان رضي الله عنه.

 

ثانيًا: طلب العلم الشرعي، فقد كان السلف الصالح أكثر حرصًا على استثمار أوقاتهم في طلب العلم وتحصيله؛ وذلك لأنهم أدركوا أن حاجتهم إليه أكبر من حاجتهم إلى الطعام والشراب، واغتنام الوقت في تحصيل العلم وطلبه له صور كثيرة، فبادر الآن واستغل وقتك فهو عمرك وسوف تسأل عنه.

 

إذا كان يؤذيكِ حرُّ المصيف  **  ويُبسُ الخريف وبَرْدُ الشتاء 

ويُلهيكِ حسنُ زمانِ الربيــع  **  فأخذك للعلم قُل لي: متـــى؟! 

 

ثالثًا: ذكر الله تعالى، فليس في الأعمال شيء يسع الأوقات كلها مثل الذكر، وهو مجال خصب وسهل لا يكلف المسلم مالًا ولا جهدًا.

 

وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه فقال له: (( «لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» ))؛ (رواه أحمد من حديث عبدالله بن بسر رضي الله عنه) .

 

فما أجمل أن يكون قلب المسلم معمورًا بذكر مولاه، إن نطق فبذكره، وإن عمل فبشكره.

 

رابعًا: الإكثار من النوافل، وهو مجال مهم لاغتنام أوقات العمر في طاعة الله، وعامل مهم في تربية النفس وتزكيتها، علاوة على أنه فرصة لتعويض النقص الذي يقع عند أداء الفرائض، وأكبر من ذلك كله أنه سبب لحصول محبة الله للعبد، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (( «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» ))؛ (رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه) .

 

خامسًا: الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة للمسلمين.

 

سادسًا: زيارة الأقارب وصلة الأرحام، فهي سبب لدخول الجنة وحصول الرحمة وزيادة العمر وبسط الرزق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» ))؛ (متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه) .

 

سابعًا: اغتنام الأوقات اليومية الفاضلة، مثل بعد الصلوات، وبين الأذان والإقامة، وثلث الليل الأخير، وعند سماع النداء للصلاة، وبعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس.

 

وكل هذه الأوقات مقرونة بعبادات فاضلة ندب الشرع إلى إيقاعها فيها، فيحصل المسلم بها على الأجر الكبير والثواب العظيم.

 

عباد الله، هناك آفات وعوائق كثيرة تضيِّع على المسلم وقته، وتكاد تذهب بعمره كله إذا لم يفطن إليها ويحاول التخلص منها، ورأس تلك العوائق الغفلة والتسويف، فهما سلاحان ماضيان من أسلحة الشيطان تفتك بالإنسان.

 

 

فبادر -أيها المسلم- باغتنام أوقات عمرك في طاعة الله، واحذر من التسويف والكسل، فكم في المقابر من قتيلِ سَوفَ.

 

نسأل الله صلاحًا عاجـــلًا  **  إنما الغافل في البلوى هلك 

وكفانا ما مضى من بؤسنا  **  ربنا اكشف ما بنا فالأمر لك 

___________________________________________________
الكاتب: د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح دعاء الهم والحزن – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والجُبْنِ، وضَلَعِ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *